"تفتافة" صيادي ريف اللاذقية في أنطاكية.. غذاء و"فشّة قهر"


"في مثل هذه الأيام، كنت أستيقظ قبل شروق الشمس، أذهب إلى (التفتافة)، أصطاد بعض العصافير، وأعود سريعاً إلى قطاف الزيتون، أشويها على النار وأتناولها مع عائلتي على وجبة الغداء، لأكرر مساءً، الشيء ذاته، وها أنا أصطاد هنا اليوم، لا أستطيع التخلي عن الصيد، سأمارسه أينما حللت".

"عبد الستار"، صياد ومزارع من قرية طعوما بجبل الأكراد بريف اللاذقية، هاجر من قريته عندما اقتحمها النظام في مطلع 2015 إلى مدينة "يايلاداغ" التركية. لا يستخدم البندقية في صيده بل طريقة أخرى تعتمد على التقاط العصافير حيّة.

"التفتافة" طريقة لصيد الطيور الصغيرة، يقول عنها عبد الستار "أداة التفتافة أعواد جافة صغيرة يبلغ طول الواحد منها أقل من متر واحد، توضع عليها مادة لاصقة، تتكون من ثمار شجرة برية، يتم تقشيرها، مضاف إليها العسل، تُدهن على الأعواد، فتصبح جاهزة".


أما عن طريقة الاصطياد، فيقول: "ينشر الصياد أعواد الدبق على شجيرات صغيرة متقاربة، ويختبئ جيداً في إحداها، ثم يبدأ بإصدار صوت يشبه زقزقة العصافير من خلال النفخ بطريقة معينة على شفرة سكين، فتبدأ العصافير بالاقتراب وتعلق تباعاً على الدبق".

"تستمر العملية ربع ساعة أو أكثر قليلاً، يخرج بعدها الصياد من كمينه لجمع ما التقطته أعواد الدبق، ثم ينتقل لموقع آخر، فإن كان صيده قليلاً، يمكنه تكرار العملية عدة مرات في مواقع متعددة"، حسب وصف عبد الستار.

ويشرح أن الوقت الأفضل للصيد بطريقة التفتافة هو فصل الخريف حيث تكثر العصافير المهاجرة وبعض الطيور مثل الشحرور والسّمّن، ويفضل أن تجري العملية مع الفجر وقبل المغيب مع موعد استيقاظ العصافير ونومها، حيث تتجمع في مثل هذين الوقت، وتستجيب لنداءات بعضها، وهذا ما نستغله بتقليد أصواتها.


وبدا عبد الستار حزيناً لأن الآلة دخلت مجال التفتافة، حيث انتشرت التسجيلات الصوتية للطيور، يستخدمها الصيادون الصغار عديمي الخبرة، بينما كانت تقتصر على شديدي الخبرة في الصيد، "لقد تضررنا كثيراً من دخول التقنية إلى صيد التفتافة، وقلّ صيدنا مقابل ما يحققه مستخدمو التسجيلات".

معلوم أن الصيد ممنوع في تركيا بقرار من حكومتها، لكن عبد الستار يمارس هوايته دون خوف، رغم إشارته إلى أنه يحاول التخفي قدر الإمكان وعدم التحدث في الموضوع تجنّباً لعقوبة قد تطاله، لذلك استخدم اسماً مستعاراً للحديث معنا.

لكن مسؤولاً في مخفر شرطة "يايلاداغ" أوضح أن صيد العصافير الصغيرة دون استخدام السلاح "أمر بسيط لا يستوجب العقوبة"، وقد فرح عبد الستار بهذه المعلومة التي نقلناها له.

رغم أن صيده كان وفيراً هذا اليوم، وغالباً ما يكون وفيراً، بدا الصياد مهموماً شديد الحزن، "لم أعد أهتم لكمية الصيد، ولم تعد تعنيني التفتافة إلا للتسلية والترويح عن نفسي، لا أريد شيئاً سوى العودة إلى ضيعتي محررة من احتلال الأسد، إن ساعة في بريّة طعوما، أو كأس شاي تحت شجرة تفاح في بستاني تساوي لديّ تركيا وكل عصافيرها".
 

كثيرون من هواة الصيد بريف اللاذقية يمارسون هوايتهم في تركيا، لكنهم يشتركون مع عبد الستار برغبة العودة، وممارسة حياتهم وصيدهم حيث ولدوا وتربوا.

ترك تعليق

التعليق