"أبو مصطفى".. لاجىء سوري، يكسب لقمة عيشه من أفواه الناس في الأردن


انتشرت قبل سنوات الحرب في سوريا، مهنة تركيب وترميم الأسنان الشعبية التي كانت تحظى بإقبال كبير لدى الناس، ليس في الأرياف فحسب وإنما في المدينة أيضاً حيث انتشر (أطباء مع وقف التنفيذ) أغلبهم من الغجر كانوا يجولون القرى والحارات حاملين حقائبهم التي تحوي عدة الشغل من مبارد حديدية وماكينة متروبيل صغيرة الحجم وسنابك الحفر وسكاكين الشمع وطباخات البدلات والميزان ليكسبوا لقمة عيشهم من أفواه الناس.
 


"أبو مصطفى"، أربعيني من مدينة السبينة (جنوب دمشق) أحد مزاولي هذه المهنة لجأ إلى الأردن منذ سنوات ولم يجد بداً من العمل في المهنة التي برع فيها وورثها عن والده وجده لتكون مصدر رزق له ولعائلته الكبيرة.
 
ومنذ الصباح الباكر اعتاد على التجوال في قرى وأرياف مدينة المفرق (شمال الأردن) والمدن الأخرى حاملاً حقيبته الجلدية السوداء، وغالباً ما يُرى مفترشاً الأرض ليخرج أدواته الصغيرة ويبدأ بتركيب الأسنان أو استبدال التالف منها أو حشوها أو تركيب الجسور للمرضى بخفة ومهارة.
 

وروى الحرفي الأربعيني لـ"اقتصاد" أنه تعلم هذه المهنة منذ نعومة أظفاره على يد والده الذي ورثها بدوره عن جده وكان -كما يقول- يذهب معه في جولاته على بلدات وقرى دمشق، وعندما أتقن المهنة بات يزاولها بمفرده.

 وكانت مهنة تركيب الأسنان في الماضي-حسب قوله- تلقى إقبالاً واسعاً من الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، حيث لم تكن قد انتشرت عيادات الأسنان والمخابر السنية كما هي اليوم.


 ولفت محدثنا إلى أنه يؤمن مواد عمله من مخابر الأسنان والشركات الطبية ويقوم بتصنيع بعضها الآخر.

 وأكد محدثنا أنه يستطيع من النظرة الأولى معرفة وضع المريض وحالة أسنانه وطبيعة إصابتها، سواء كانت "عضة عكسية" أو عالية أو منخفضة أو خلل في القياسات، وهذه الأمور يتلقاها طلاب كليات الأسنان كمعلومات نظرية ولكنهم يفتقرون للتدريب.

 مشيراً إلى أن مهنة تركيب الأسنان تعتمد على الحرفية والخبرة.

 كما تحدث عن أن مجموعة من طلبة طب الأسنان يترددون إليه للتدريب العملي على كيفية صناعة الأسنان.


يستخدم "أبو مصطفى" أدوات عمل عديدة ومنها "سنابك الحفر" و"ماكينة المتروبيل" وهي عبارة عن محرك لحفر ونحت وجلخ الأسنان، وتعتبر أساس المهنة-كما يؤكد- مضيفاً أنه يستخدم أيضاً مقصاً للبلاتين أو المعدن ومكبساً يتم من خلاله سحب صفائح البلاتين وتصغيرها حسب المقاس المطلوب وطباخات البدلات والميزان.


 وفيما وضع الحرفي القادم من جنوب دمشق سلك جهاز المتروبيل داخل المقبض الكهربائى، وأدخل طرفه في فم أحد المرضى ليباشر عمله، شرح مراحل هذا العمل التي تختلف–حسب قوله- تبعاً لما هو مطلوب، سواء كان تركيب طقم أسنان أو جسور، ففي حالة تركيب بدلة الأسنان يتم تجهيز شمع "الصف" الذي يستخدم لتصميم اللثة ويٌقاس به ارتفاع الإطباق كالميزان ويتم غلي اللثة أول مرة بالشمع لمدة ثلث ساعة وفي المرة الثانية لمدة خمسين دقيقة لتتصلب المادة بعد وضعها ويتم تنظيفها من الشوائب من جبس أو غبار التنعيم.


 ومن أقسام عمله -كما يقول- تركيب المعدن بطريقة التطريق وتلبيس البلاتين (الكروم)–البلاك على السن كغلاف للسن لحمايته من التسوس بعد سحب العصب وحمايته من الكسر بأثر المضغ، لأنه يصبح ضعيفاً بعد سحب العصب. وكان الحرفيون القدماء يركبون صفائح ذهب "غوايش" بعد قصها وتطريقها.


وأكد الحرفي الذي يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشرين عاماً أن عمله لا علاقة له بالجوانب التي تحتاج لتدخل جراحي، مشيراً الى أن مواد الأسنان التي يقوم بتركيبها مصنوعة من الزجاج أو "الزيركون" غالية الثمن، وبعضها من الخزف الأقل سعراً، وكثيراً ما يعتمد على مادة الإكليريك (مواد شمعية) و"الماجر" الإيطالي أو الـ "ناتورا" وكلها مواد طبية أوروبية خاصة بالأسنان.
 

وكشف "أبو مصطفى" أن مصلحي الأسنان في سوريا توصلوا قبل سنوات الحرب إلى تصنيع بدلات من مادة مطاطية "باتركس" مخصصة لكبار السن ممن تصبح نيرة أسنانهم ضعيفة، وشاعت قبل رواج زراعة الأسنان والطرق الحديثة في التعويضات السنية ولكنها لم تلقى إقبالاً واسعاً بسبب غلاء المواد المستخدمة فيها.

ترك تعليق

التعليق