متوسطو الحال من السوريين.. وقائمة بـ "المرارات" في لبنان


تتعاون شرائح وأفراد في المجتمع اللبناني، مع سلطات دولتهم، في جعل حياة السوريين، على الأراضي اللبنانية، صعبة، أكثر فأكثر، ربما بشكل غير مقصود. يأتي ذلك بالتزامن مع ازدياد قوة توجه رائج في أوساط النخبة السياسية اللبنانية، يقول بإعادة اللاجئين إلى سوريا، حتى قبل حصول تسوية سياسية.

وبدءاً بتعقيد إجراءات دخول السوريين إلى لبنان، مروراً بتنصيب اللبناني ككفيل عن السوري، وتعرض سوريين لحالات نصب على هذا الصعيد، وليس انتهاءً بأكل حقوق عمال سوريين من جانب لبنانيين، مع التلويح باتهامهم بالانتماء لـ "تنظيم الدولة الإسلامية" إن لم يسكتوا عن حقوقهم.. تبدو لائحة المرارات التي يعيشها السوريون في لبنان، لا تنتهي.

ورغم محاولاتنا للحصول على إفادات إيجابية من شهود عيان سوريين، عن حياتهم في لبنان، إلا أن الأمر كان متعذراً. ربما لأننا استهدفنا في استطلاعنا، فئات من السوريين تُحسب على الشرائح متدنية الدخل. وهم أكثر السوريين عُرضةً لانتهاك الحقوق في لبنان.

معضلة الدخول إلى لبنان

ولنبدأ بإجراءات دخول السوريين إلى لبنان، والتي تغيرت كثيراً عما كانت عليه قبل العام 2011. فالسوري لا يدخل لبنان إلا بوجود حجز فندقي وإبراز مبلغ لا يقل عن 2000 دولار عند نقطة العبور الحدودية. ويستطيع البقاء داخل الأراضي اللبنانية مدة أسبوع فقط، ثم يتوجب عليه الخروج.

 أما في حال وجود كفيل لبناني، يستطيع السوري الدخول متى شاء. إلا أن شهادات عيان قالت لـ "اقتصاد"، إن طلبات الكفلاء اللبنانيين، أصبحت أصعب. وكان الكفيل اللبناني يطلب بداية فرض هذا القانون، حوالي 300 دولار، لقاء كفالة فرد سوري واحد. أما اليوم فبات يطلب 500 دولار.

وسُجلت العديد من حالات سحب الكفالة من قبل لبنانيين بعد أن يقوموا بأخذ المبلغ المطلوب من السوري، لكي يتمكنوا من تكرار الأمر مع سوري آخر. حيث يُسمح للمواطن اللبناني بكفالة شخصين فقط.

معيشة السوريين في لبنان.. نموذجان في البقاع والضاحية

"عبد الله" لاجئ سوري مقيم في منطقة "البقاع" الحدودية، تحدث في تصريح خاص لـ "اقتصاد" عن حياة اللاجئين السوريين في المنطقة.

"كان الدخول إلى لبنان، حينما دخلت إليها، أي مطلع عام 2013، يتطلب فقط وجود سفر. أما اليوم فقد بات الأمر معقداً أكثر، بدايةً من وجود الحجز الفندقي ووصولاً إلى إبراز مبالغ مالية عند نقطة التفتيش والمعاملة السيئة من قبل ضباط الأمن اللبنانيين على نقطة التفتيش".

متوسط مصروف العائلة السورية في منطقة "البقاع" يصل إلى 700 دولار، في حين لا يتجاوز وسطي دخل العامل السوري 500 دولار شهرياً. أما إيجارات المنازل فتبلغ وسطياً 300 دولار شهرياً. وذلك حسب شهادة "عبد الله" لـ "اقتصاد".

في الضاحية الجنوبية في بيروت، والمُسيطر عليها من قبل حزب الله اللبناني، يكثر السوريون، بخلاف المتوقع.

"أحمد"، أحد السوريين المقيمين هناك، قال في تصريح خاص لـ "اقتصاد": "يبلغ الحد الأدنى لإيجارات المنازل في الضاحية الجنوبية، 700 دولار هذه الأيام. في حين كان لا يتجاوز قبل تفاقم اللجوء السوري إلى لبنان، 150 دولار. أما دخل العامل السوري فقد كان مطلع الثورة يصل كحد أدنى إلى 45 دولار يومياً، ويرتفع مع إتقان صاحب المهنة لمهنته. أما اليوم فلا تتجاوز يومية العامل السوري هناك 15 دولار. يضاف إلى ذلك عمليات النصب التي تطال العمال السوريين من قبل أرباب العمل اللبنانيين".

ويروي "أحمد" إحدى حالات النصب تلك، التي حصلت معه قبل أشهر، قائلاً: "عملنا مدة أسبوع لدى شخص لبناني في الديكورات (مهنتي الأساسية). وكان الاتفاق على تسليم كامل المبلغ بعد انتهاء الورشة. عقب الانتهاء طلب منا صاحب العمل الانتظار مدة يومين فقط ريثما تصله حوالة قادمة من أحد أقربائه ليعطينا حسابنا كاملاً. وبعد اليومين طلب يومين آخرين. وفي آخر مرة تظاهر بأنه لا يعرفنا وهددنا باستدعاء الأمن اللبناني بتهمة أننا نتبع لتنظيم الدولة، في حال جئنا مرة أخرى. وهي التهمة الأكثر شيوعاً في لبنان عندما يريد لبناني التخلص من سوري".

بين شهادة غير معترف بها، ومبالغ طائلة.. كيف يدرس السوري؟
 
افتتح الائتلاف الوطني المعارض العديد من المدارس التابعة له على الأراضي اللبنانية.

"عبد الله" يتحدث بهذا الصدد، لـ "اقتصاد"، قائلاً: "يوجد في منطقة البقاع عدة مدارس تابعة للائتلاف الوطني يدرس فيها عدد كبير من السوريين. إلا أن الشهادات التي تقدمها تلك المدارس غير معترف بها على الأراضي اللبنانية، في حال أنهى الطالب تعليمه وأراد دخول الجامعة. أما في حال أراد الطالب السوري الدراسة في المدارس اللبنانية، فالتكاليف مرتفعة وتصل إلى 1000 دولار سنوياً، إضافة إلى المعاملة السيئة التي سيحظى بها السوري سواء من زملاء دراسته أو من معلميه".

"عبد الله" أكمل: "اخترت متابعة دراستي في معهد شرعي رغم تكلفته المرتفعة إلا أن المعاملة جيدة وسأحظى في النهاية بشهادة معترف بها. تكاليف المعهد الشرعي لا تقل عن تكاليف المدارس اللبنانية إلا أن حسن المعاملة هو ما جعلني أختار الدراسة هناك".

خط التهريب وتكاليفه

مع ازدياد سوء أحوال اللاجئين السوريين في لبنان لجأ بعضهم للهجرة إلى تركيا بطرق غير شرعية.

"أحمد" الذي التقى مع مهربين كُثر في محاولة منه للخروج باتجاه تركيا، قال لـ "اقتصاد": "تتنوع طرق التهريب بين لبنان وتركيا. إحدى تلك الطرق هي بالسفر جواً باتجاه مدينة أربيل العراقية ومن ثم الدخول براً باتجاه تركيا. أما الطريق الأخرى فهي السفر جواً أيضاً باتجاه طهران، ومن ثم الدخول براً أيضاً إلى الأراضي التركية".

وتطرق "أحمد" للحديث عن طريق التهريب البرية بين الأراضي السورية واللبنانية، والتي تتراوح التكلفة فيها بين 500 و 1000 دولار للشخص الواحد. وإذا أُلقي القبض على الشخص الذي يحاول الدخول تهريباً، يُودع في سجن رومية مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ومن ثم يتم إرساله إلى سوريا مع ختم منع الدخول مدة سنة أو أكثر، وهي العقوبة ذاتها التي تطال الشخص الداخل بحجز فندقي في حال تجاوز المدة المحددة له.

تضييق صحي على السوريين

يُذكر أن المرضى السوريين في لبنان يعانون من الإجراءات المشددة في دخول المشافي أو الخروج منها، حيث لا تقوم المشفى بتخريج أي مريض إلا بكفالة رسمية من ذويه. ويضاف إلى ذلك تكاليف المعاينات المرتفعة لدى الأطباء التي لا تقل عن 100 دولار للمعاينة.
 
وكخلاصة، خرج بها "اقتصاد" من جملة شهادات لسوريين، بعضهم طلبوا عدم الإشارة إليهم في التقرير، لأسباب أمنية، يبدو جلياً أن الطبقات الوسطى الدنيا، والفقيرة، من السوريين، تدفع أثماناً مضاعفة من التضييق والمعاناة في لبنان. وهذا لا يعني أن التضييق لا يطال الممتلئين مالياً من السوريين، لكنه يبقى أقل وطأة بفارق كبير.

ترك تعليق

التعليق