صناعة المكانس القش.. مهنة حيّة بصعوبة في إدلب، وترسل إنتاجها إلى بيروت


رائحة الآباء والأجداد لا تزال ترافقنا في كل مكان وكل زمان، على الرغم من التطور الهائل في القرن الحادي والعشرين، الذي حصل على كافة الأصعدة الخدمية.

وفي أيامنا هذه، يمكن أن نعود للوراء 80 عاماً أو أكثر لنتذكر (المكنسة) أو (المقشة) أو (المشباط)، حسب العادات والتقاليد والتسميات والثقافات من مختلف المحافظات السورية.

"أبو صبحي" صاحب محل في أحد أحياء إدلب القديمة، والتي تتمتع برائحة الماضي وعراقة الحاضر، ويعمل في هذه المهنة التي دمرها التطور لتصبح من الذكريات.


كان لـ "اقتصاد" لقاء خاص مع "أبو صبحي" ليروي لنا مدى أهمية هذه المهنة في الماضي، ومدى اعتماد بعض الناس عليها حتى اليوم، رغم التطور التقني الهائل.

بدأ حديثه عن تاريخ المهنة التي ورثها عن أبيه، الذي بدوره، ورثها عن جده، وهكذا.

يقول "أبو صبحي" أن هذه المهنة لم تعد تعطي المردود الكافي من المال لتأمين قوت اليوم، في ظل الثورة والحرب. وقبل ذلك، استغنى معظم الناس عن "المقشة"، فأصبحت المكانس البلاستيكية والكهربائية من أساسيات العمل اليومي، فمهنة صناعة (المكانس) التي تُصنع من القش والخشب لم تعد تفي بالغرض للمستهلك، وحتى المواد أصبحت غالية جداً لترتفع تكاليفها أكثر من عشرة أضعاف، وتأمينها أصبح صعباً جداً في هذه الظروف.

يقول "أبو صبحي": "كنا نبيع المكنسة بـ 100 ليرة سورية قبل الثورة، واليوم يصل سعرها من 800 حتى 1300 ليرة سورية، حسب الجودة والنوعية، ولا يوجد طلب عليها من الناس في إدلب سوى القليل، ولكننا نرسلها إلى بيروت كي نستطيع الاستمرار بالعيش. وهناك في بيروت الكثير من أهالي لبنان من يحب العمل بها ولا يستغني عنها".

وأضاف أيضاً أن تكاليف تصديرها وإرسالها بالكاد تسمح بتوفير هامش صغير من الربح، يغطي بصعوبة تكاليف المعيشة. ولولا ذلك لما تمكن من الاستمرار في هذه المهنة نهائياً، حسب وصفه.

وأوضح "أبو صبحي" أن المكنسة تُصنع من الخشب والقش وأعواد البلاستيك، وهذه المواد أصبحت غالية على حد وصفه.


وفي نفس السياق كان لـ "اقتصاد" حديث مع "أم خالد"، وهي امرأة كبيرة في السن، كانت من أولئك الذين لا يزالون يستعملون مكنسة القش.

وسألناها، "لماذا تستعملين هذه المكنسة اليوم؟". فقالت: "منذ نشأتي على الحياة تربيت عليها ولست ممن لا يحبون التطور، لكن لدي ذكريات كثيرة مع هذا النوع من المكانس، وأحبها. ولا أنكر أنها متعبة وتسبب آلام في الظهر، لكن أظل أتذكر بها أهلي وأجدادي ورائحة الغوالي".

وفي ختام الحديث مع "أبو صبحي" كان لنا سؤال: "لماذا تستمر في هذه المهنة إلى هذه اللحظة؟"، فأجاب: "لو لدي عمل ثانٍ لما توانيت للحظة واحدة عن ترك هذه المهنة، لكن إدلب مدينة ضعيفة اقتصادياً واستثمارياً، ونسبة البطالة كبيرة جداً، وأنا لا أعرف سوى العمل بهذه المهنة".

ترك تعليق

التعليق