مع الضغط الأمريكي: إيران تستذكر انقلاب 1953 ضد مصدق


 كي يفهم المرء كيف تنظر إيران الى سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع القوى العالمية عليه أن ينظر الى الماضي اولا.

وبشكل اكثر تحديدا، قبل 65 عاما هذا الأسبوع.

حينها، في عام 1953 أطاح انقلاب بدعم أمريكي رئيس وزراء إيران المنتخب وعزز حكم الشاه المدعوم من الولايات المتحدة وأطلق فتيل الثورة الإسلامية عام 1979. في السنوات التي تلت ذلك، سعت السلطات الى القضاء على ذكرى رئيس الوزراء محمد مصدق الذي يرتبط سقوطه على يد الغرب بتأميمه مصالح نفطية بريطانية واسعة في إيران.

الآن، مع ذلك، الكثير من المسؤولين من جميع أنواع الطيف السياسي الإيراني يعيدون تقييم موقف مصدق في ضوء معارضتهم للرئيس ترامب. ويعكس هذا الموقف المتصلب تجاه أي اعادة تفاوض محتمل اعتقادا متأصلا منذ عقود بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها.

وقال عبد الله أنور البالغ من العمر 94 عاما وشهد انقلاب 1953 عندما كان مدرسا يافعا "الأمريكيون لم يفهموا القضية، الأمر لم يكن يتعلق بتأميم النفط فحسب. المسألة كانت تتعلق بإذلال وتمييز بريطانيا ضد الشعب الإيراني."

وأضاف "الولايات المتحدة أصبحت الآن وريثة بريطانيا بعد الانقلاب."

أول من استدعى شبح مصدق هو الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أبرمت ادارته الاتفاق النووي مع إدارة أوباما عام 2015، ليراه ينهار مع قدوم ترامب.

وتتضمن الصفقة قيام إيران بالحد من تخصيب اليورانيوم مقابل رقع العقوبات الاقتصادية. ويرمي الاتفاق الى منع إيران من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية، وفتح الباب أمام محادثات مستقبلية.

ومع ذلك يعتقد ترامب ان الاتفاق كان يجب ان يتضمن حدودا لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والتصدي لدعم طهران للجماعات الإقليمية المتشددة. قام ترامب بالانسحاب من الاتفاق في مايو أيار ليغرد بعدها انه سيتفاوض من دون شروط مع إيران.

أثار ذلك ردا من روحاني في أغسطس/آب.

قال روحاني "ليس لدي شروط مسبقة" للتفاوض إذا كانت الحكومة الأمريكية مستعدة للتفاوض بشأن دفع تعويض للدولة الإيرانية من عام 1953 وحتى الآن."

وأردف قائلا "تدين الولايات المتحدة لنا لتدخلها في إيران."

يوم الأحد، تحدث وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف أيضا عن مصدق على تويتر عند ذكر مجموعة عمل جديدة تابعة لوزارة الخارجية حول إيران.

كتب ظريف يقول "لقد أطاحت الولايات المتحدة بالحكومة الديمقراطية المنتخبة شعبيا برئاسة الدكتور مصدق واستعادت الديكتاتورية واستعبدت الإيرانيين على مدى السنوات ال 25 التي تلتها."

وتابع ظريف "الآن تحلم مجموعة العمل بالقيام بنفس الشيء من خلال الضغط، والمعلومات الخاطئة والديماغوجية. لن يحدث ذلك أبدا."

في هذه الأثناء ، قارن معارضو روحاني المتشددون الرئيس الإيراني بمصدق، محاولين وصفه بأنه ضعيف.

ومن بين هؤلاء رجل الدين المتشدد آية الله أحمد علم الهدى، وهو مستشار المرشد الأعلى آية الله خامنئي، الذي حذر الجمعة من أن "الاعتماد على قوة أجنبية سيكلف هذه الأمة ربع قرن من العبودية."

ومع ذلك، فإن استدعاء ذكر مصدق لم يكن شائعا طوال عقود في إيران.

كان ينظر إليه باعتباره قوة ليبرالية وعلمانية وقومية داخل إيران نفسها. وطالب المتشددون داخل الحكومة الدينية الشيعية الإيرانية بإزالة اسم مصدق من أحد شوارع طهران عام 1981.

لم يستطع الدبلوماسيون الغربيون عام 1953 فهم مصدق، وخاصة تصنعه نوبات الإغماء وبكاءه علنا وتحيته الدبلوماسيين الزائرين من السرير وهو بملابس النوم.

لكن مصدق واجه ضغوطا متزايدة من البريطانيين، الذين شرعوا في فرض حظر نفطي على إيران بسبب تأميم حقولها النفطية ومصافيها في عبدان، في الوقت الذي كانت فيه أكبر دولة في العالم.

في هذه الأثناء، أراد الروس على نحو متزايد الحصول على قطعة من إيران بينما كان الشيوعيون ثائرين داخل البلاد. وهذا بدوره أثار حفيظة الأمريكيين في بداية الحرب الباردة.

ناقش المسؤولون الأميركيون الانقلاب قبل عام من وقوعه، وفقا لما ذكرته أكثر من 1000 صفحة من البرقيات والتقارير التي أصدرتها وزارة الخارجية العام الماضي. وتظهر تلك الوثائق أن وكالة المخابرات المركزية كانت قد قامت في مرحلة ما بتخزين ما يكفي من الأسلحة والمتفجرات لدعم منظمات تقوم بحرب عصابات تضم 10 آلاف رجل لمدة ستة أشهر، ودفعت 5.3 مليون دولار رشوة وتكاليف أخرى، وهو ما يعادل 48 مليون دولار اليوم.

لكن الوكالة واجهت مشاكل كان أبرزها شاه محمد رضا بهلوي نفسه، والذي كان الدبلوماسيون والجواسيس يشيرون إليه بلقب "الحلقة الضعيفة" و "العنيد".

في البداية بدا الانقلاب وكأنه سيفشل، الأمر الذي جعل الشاه يهرب إلى الخارج. لكن الأمر سرعان ما تحول، وخرج الناس في الشوارع ضد مصدق.

وقال انور الذي شهد الانقلاب في سن 29 عاما انه حاول الوصول الى منزل مصدق في حي الكخ بطهران راغبا في دعم رئيس الوزراء الذي قال انه سمح للصحف بانتقاده بحرية. لكنه وجد الوضع فوضويا في ظل اطلاق نار كثيف.

وأضاف "قام البعض بنهب منزله (مصدق) والممتلكات الأساسية مثل المصارف. كان ذلك من أكثر الأيام سوءا في تاريخ إيران."

في مارس من هذا العام، قامت السلطات مجددا بتسمية شارع ضيق من اتجاه واحد في حي ثري في شمال طهران، باسم مصدق.

زهرة عبيدي، طالبة دراسات عليا في القانون في طهران تدعم إدارة روحاني، مرت بالشارع مؤخرا في طهران، وشددت على أن المفاوضات بين إيران والغرب لا تزال مهمة.

وقالت عبيدي "يجب أن نتحدث. يجب ألا نبعد ترامب. سيضر ذلك بكل من الولايات المتحدة والعالم."

أمام منزل مصدق القديم، قال تاجر الملابس كافوس محمدي إن المبنى كان بمثابة تذكير بما يمكن ان تمارسه الدول الأجنبية.

وقال "كان منزل الأمل للناس، ودمر بسبب طمع القوى الأجنبية."

ترك تعليق

التعليق