جراء تعاملهم الخاطئ مع أزمة الليرة.. مستثمرون سوريون قد يخرجون من السوق التركية


شكلت الأزمة التي تعصف بالليرة التركية اختباراً حقيقياً لسلوك المستثمرين السوريين وتحديداً أصحاب المشاريع الصغيرة منهم، إذ يكشف تفكيك المشهد الاقتصادي الذي أعقب هبوط سعر صرف الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة، عن عدم تكيف قسم كبير منهم مع السوق التركية.

ويتضح ذلك جلياً من خلال أمور عدة، أولها رفع بعض التجار السوريين لأسعار المواد، خلافاً للتجار الأتراك، الذين أبقوا على الأسعار كما هي، الأمر الذي أحدث انقساماً في الأوساط السورية وصولاً إلى التركية، بين فريق رافض ومستنكر ومناد بمقاطعة المحال السورية، وآخر رأى أحقية ذلك، مستنداً إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدها قسم من المستثمرين السوريين بسبب تدهور العملة السورية، من قبل.

ويبدو الارتباك الذي سيطر على المستثمرين السوريين في تركيا جلياً للعيان، فقد ظهر بشكل واضح في تفاوت أسعار المواد بين محل وآخر، بحسب ما رصد مراسل "اقتصاد" في جنوب شرق تركيا.

وفي هذا الإطار، عزا أبو محمد (صاحب محل بيع مواد غذائية بالمفرق في كلس) التفاوت في الأسعار، إلى عدم ثبات سعر المواد في مستودعات البيع بالجملة، معتبراً أن "من الطبيعي أن ترتفع الأسعار وتحديداً المستوردة منها مع ارتفاع سعر صرف الدولار".

وأوضح لـ"اقتصاد" أن سبب التفاوت في الأسعار ما بين المحال السورية يعود إلى تخوف قسم من أصحابها من انهيار كبير للعملة التركية، مبيناً أن بعضهم "فضل رفع الأسعار على البيع بالأسعار السابقة".

وفي الوقت عينه، دافع محمود (صاحب محل ألبسة نسائية وأطفال) عن رفعه لأسعار الملابس، مؤكداً في حديثه لـ"اقتصاد"، أن ذلك يعود لرفع ورشات صناعة الملابس للأسعار.

وقال "نتعامل مع ورشات لسوريين، وغالبيتهم أكدوا لنا بأنهم رفعوا الأسعار ما بين 30-40 بالمئة"، مستدركاً بالقول "مواصلتنا البيع بالسعر القديم تعني خسارة محققة، ولا ينقصنا خسائر إضافية، لأن رأسمالنا بالدولار وليس بالليرة التركية، كما هو حال الأتراك".

 بالمقابل، استهجن صاحب محل تركي لبيع المواد الغذائية والمنظفات في كلس، سلوك أصحاب المحال السورية، معتبراً أنه "من غير اللائق أن يرفعوا أسعار المواد، من دون وجود تأثيرات حقيقية لانخفاض سعر صرف الليرة التركية على الأسعار".

وأوضح لمراسل "اقتصاد"، أن "الهبوط المفاجئ لسعر الصرف، للآن لم يؤثر على الأسعار في تركيا"، وقال "في حال ارتفاع الأسعار الحقيقي، فنحن مثل غيرنا سنضطر إلى مجاراة السوق، لكن من غير اللائق بل من المعيب أن نساهم في أزمة تتعرض لها بلادنا،.. لا يهمنا الدولار بقدر ما يهمنا مستقبل بلدنا".

و اعتبر أن السوريين بالمجمل يميلون إلى الربح الكبير، معتبراً أن ما جرى "أضر كثيراً بمصالحهم وخصوصاً لدى زبائنهم من السوريين"، مؤكداً أن قسماً كبيراً من السوريين باتوا يفضلون التعامل مع التاجر التركي على السوري.

وهذا ما أكدته إحدى السيدات السوريات في تركيا، التي أكدت أنها أصبحت تعتمد في شراء كل ما يلزمها من مواد غذائية وألبسة على المحال التركية، وتحديداً مراكز التسوق الكبيرة (المولات).

وما يبعث على الاستغراب بحسب السيدة ذاتها، هي أن تقدم المولات التركية العروض على أسعارها، حتى مع وصول الليرة إلى مستويات مخيفة، مقابل رفع أصحاب المحال السورية للأسعار بشكل كبير.

وكمثال على ذلك، روت لـ"اقتصاد" كيف رفع صاحب محل سوري سعر الفستان من 150 ليرة تركية إلى 225 ليرة في غضون  يوم واحد، وعلقت بقولها "كانت حجته انخفاض سعر صرف الليرة، لكنه لم يقم بتنزيل السعر مع تحسن سعر الليرة، خلال اليومين الماضيين، وبقي مصراً على السعر الجديد".

وللوقوف على الأسباب التي قادت إلى كل ذلك، تحدث "اقتصاد" إلى استشاري المؤسسات المالية والخبير الاقتصادي الدكتور محمد سهيل بارودي، الذي أكد أن ليس من مبرر حقيقي لرفع المستثمرين السوريين في تركيا الأسعار، بسبب عدم ارتفاع أسعار المواد الخام والأجور في السوق التركية.
 
وضمن تشريحه لذلك، وضع بارودي ما وصفه بـ"الجهل بأبسط القواعد الاقتصادية لدى شريحة واسعة من التجار والمستثمرين السوريين" على رأس الأسباب التي دفعت بالسوريين تحديداً إلى رفع الأسعار، متسائلاً عن الأسباب التي تستوجب رفع سعر السلعة، علماً بأن سعرها في السوق على حاله، مثل الخبز السوري، بالرغم من عدم ارتفاع أسعار الطحين.

وسُئل عن السبب الذي يدفع بالسوريين إلى ذلك دون الأتراك فقال "للأسف، هذا ناجم عن قلة خبرة بقواعد السوق التركي المفتوح، وعدم استيعابهم لحجم المنافسة الكبير في هذا السوق"، مبيناً أن معدل الربح في السوق التركية أدنى بكثير من السوق في سوريا.

وتابع بأن على السوريين، أن يتفهموا أن ما صدر عنهم أضر بمصالحهم كثيراً، وأنهى بالقول "عليهم أن ينتظروا إن سجلت الأسواق التركية ارتفاعاً في الأسعار، لكن تصرفهم بشكل منفرد سيخرجهم من السوق التركية بشكل نهائي".

ترك تعليق

التعليق