"سوريا" في البوسفور.. هي ليست المرة الأولى


تناقلت العديد من وسائل الإعلام المختلفة، خلال اليومين الفائتين، خبر مرور باخرة سورية تحمل اسم "سوريا"، وترفع علم نظام الأسد، عبر مضيق البوسفور، من أحد الموانئ التركية، إلى البحر الأسود، دون تحديد وجهتها.

وتحت عنوان "لأول مرة منذ سنوات باخرة سورية تعبر مضيق البوسفور"، تسابقت وسائل الإعلام لنقل هذا الخبر مرفقة إياه بتغريدة على تويتر لمرصد البوسفور مع صور للباخرة أثناء مرورها من المضيق.

وذهبت وسائل إعلام بهذا الخبر إلى مداه الأقصى، واعتبرت أن مرور الباخرة المشار إليها، مؤشر على انخفاض التوتر بين نظام الأسد وحكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أنقرة. ربما بوساطة روسية أو إيرانية.

فهل كان هذا هو المرور الأول لباخرة تتبع لنظام الأسد، عبر مضيق البوسفور، منذ ما بعد الثورة؟

"اقتصاد" حاول البحث والتحري عن هذا الحدث، ليقودنا الأمر إلى ما هو أعمق، ويكشف جانباً خفياً للنشاط الاقتصادي البحري للسفن المملوكة لنظام الأسد، وحركتها الملاحية، ودورها في إنعاش نظام الأسد اقتصادياً، في السنوات السبع الفائتة.

بداية لابد أن نذكر أن الباخرة "سوريا –SOURIA" هي  واحدة من البواخر السورية الأربعة المملوكة للشركة السورية للنقل البحري (سيريا مار)، والتي تتبع لوزارة النقل في حكومة النظام. وهي إحدى الشقيقات التوأم لسفينتي (لاوديسا) و(لاتاكيا)، وتتشابه معهما في الحجم واللون، حيث تقدر حمولة كل منهم بـ 13 ألف طن، وبسبب تشابه تلك السفن يطلق عليها اسم "سيستر شيب". كما تملك الشركة باخرة رابعة أيضاً وتحمل اسم "فينيقيا" والتي تقدر حولتها بحوالي 19 ألف طن. ويعلو صواري تلك البواخر الأربعة، علم النظام. 

 هذه المعلومات وما يتبعها، وصل إليها "اقتصاد" من خلال حديثه مع أحد البحارة السوريين القدامى، الذي سبق له العمل لسنوات على عدد من السفن التجارية السورية، قبل الثورة وبعدها.

المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه قال لـ "اقتصاد" موضحاً أن رفع باخرة ما لعلم النظام لا يعني بالضرورة أنها مملوكة لنظام الأسد، حيث من المتعارف عليه في القوانين البحرية والاتفاقيات الدولية الخاصة بالسفن وحركة الملاحة أن الباخرة تحمل علم دولة الميناء الذي سجلت فيه، وهذا ما يفسر حمل الكثير من السفن التجارية السورية لأعلام دول مثل بنما وتنزانيا ولبنان وقبرص وغيرها من الدول.

وما يدفع أصحاب السفن لتسجيلها في موانئ تلك الدول هو انخفاض تكاليف ومصاريف التسجيل وما قد يترتب على السفينة من نفقات كالتأمين وغير ذلك الأمر الذي يوفر على أصحاب السفن  كثيراً من المال.

واستدرك البحار حديثه بقوله، "رغم ذلك يوجد عدد من السفن في الأسطول التجاري البحري السوري، تحمل علم النظام، بعدد يصل لحوالي 25 سفينة مملوكة لعدد من الشركات المختلفة، إلا أنه وبعد عام 2011 وقطع بعض الدول لعلاقاتها مع النظام إضافة لفرض بعض العقوبات عليه، قامت العديد من الشركات البحرية الخاصة بشطب تسجيلها في سوريا وحملها لعلم دولة أخرى تفادياً لأي مشاكل بسبب رفعها لعلم النظام".

أما المفاجأة الأبرز في هذا التقرير، والتي كشف عنها البحار، مرفقاً إياها بالدلائل القاطعة، وهي أن الباخرة "سوريا" التي قيل إنها أول مرة تعبر مضيق البوسفور، وضجت وسائل الإعلام بذلك الخبر، مرت أكثر من مرة خلال العام الجاري، والعام الذي سبقه، عبر المضيق.

واستغرب البحار هكذا تصريح من مرصد المضيق الذي لم تفارقه تلك الباخرة أبداً، متسائلاً "أين كان موظفو المرصد المذكور عندما عبرت تلك الباخرة المضيق نفسه قبل 42 يوماً فقط في شهر حزيران. وفي نيسان من هذا العام، ونيسان وأيار وتموز وأيلول وتشرين الأول من العام 2017، كما هو واضح من حركة الباخرة (سوريا) على أحد مواقع الملاحة البحرية العالمية، حيث يظهر لمن يتابعه آخر عشر موانئ رست عليها أي سفينة أو باخرة تجارية".

 كما عبرت الممر نفسه كل من بواخر "فينيقيا" و"لاوديسا"، متجهة إلى الموانئ الروسية، كان آخرها رحلة الباخرة "لاوديسا" إلى ميناء قفقاز أيضاً في أيار من هذا العام. وجميعها مملوكة من قبل حكومة النظام وتحمل علمه، ومرت من البوسفور على مرأى عين جميع موظفي مرصد المضيق. 

وتابع البحار حديثه لـ "اقتصاد" كاشفاً أن النقل التجاري البحري بين الموانئ السورية والموانئ التركية والروسية وبعض موانئ الدول العربية على المتوسط لم يتوقف أبداً، واستمرت السفن البحرية السورية التي تملكلها شركات مختلفة بنقل الكثير من المواد إلى سوريا كالطحين والقمح والاسمنت والمواد الغذائية وغيرها من المواد. إضافة لنقل بعض الشركات لسماد اليوريا ومادة الكبريت من تركيا وتونس إلى سوريا، عبر شركات ربما تعمل أيضاً لصالح النظام, حيث تشكل تلك المواد عنصراً هاماً في صناعة البراميل والحاويات المتفجرة التي يلقيها نظام الأسد على السوريين.

 وهو ما سوف يقودنا في تقارير أخرى للبحث أكثر في الجانب الخفي لهذا النشاط الاقتصادي ودوره في إحياء نظام الأسد اقتصادياً، ومن لعب هذا الدور من شركات وشخصيات قد تكشفها تقارير لاحقة.

وفي الختام، ننوه أنه وفقاً لاتفاق مونترو الدولي عام 1936، والذي تُدير تركيا على أساسه الملاحة في مضيق البوسفور، لا يجوز لأنقرة منع مرور السفن المدنية عبر المضيق، إلا في حالة واحدة، إن كانت طرفاً في حرب مع الدولة التي تتبع لها هذه السفينة. بمعنى آخر، لا يجوز، وفق هذا الاتفاق الدولي، أن تمنع تركيا مرور السفن المدنية السورية، التي تتبع للنظام، عبر مضيق البوسفور، إلا إن أعلنت أنها في حالة حرب، رسمية، مع نظام الأسد.

وأخيراً نترككم مع صور مأخوذة من موقع عالمي يرصد الملاحة البحرية، تُظهر حركة سفن تتبع للنظام، من بينها "سوريا"، حيث يظهر أنها عبرت مضيق البوسفور، أكثر من مرة، خلال العام الجاري، والذي سبقه، متجهةً إلى موانئ روسية.

حركة الباخرة سوريا ويتضح أنها مرت أكثر من مرة في مضيق البوسفور في طريقها إلى روسيا وأوكرانيا



حركة الباخرة لاوديسا وهي أيضاً تحمل علم النظام ومرت أيضاً من البوسفور عابرة إلى روسيا


الباخرة فينيقيا وتخمل علم النظام، ومرت هي الأخرى عبر البوسفور إلى موانئ روسية



ترك تعليق

التعليق