السوري "المعتر".. ومطرقة المشافي الخاصة


اعتادت حكومات النظام على التلاعب بالمواطن السوري، فهي القادرة بل والأشطر، بإصدار القرارات التي تبقى حبراً على ورق. ودائماً يُظهر النظام نفسه بأنه لا يملك أي سلطة لإجبار أحد على تنفيذها، وذلك فقط عندما تكون في صالح المواطن.

رأينا، ومازلنا نرى، الكثير من الحالات التي تم فيها منع لاجئ سوري من دخول مستشفى لبناني لعدم امتلاكه مبلغاً نقدياً يضعه في الصندوق. ولكن هل من المعقول أن يُمنع مواطن سوري من دخول مستشفى خاص في سوريا وهو في حالة إسعاف، لعدم امتلاكه مبلغاً يُفرض عليه دفعه يتراوح بين (50 - 75) ألف ليرة سورية عند الدخول كتأمين للمستشفى؟!.. فأين مؤسسات "الدولة" من قرارها 24/ت الذي ينص على أن "الإسعاف في المشافي الخاصة حق متاح ومجاني لجميع المواطنين، ولا يحق للمشافي الخاصة الامتناع عن قبول الحالات الاسعافية بحجة عدم دفع التكاليف والتأمين".

وبناء على هذا القرار، يجب أن تلتزم أي مشفى خاص باستقبال أي حالة إسعاف ترد، وتقديم الخدمة الاسعافية الضرورية اللازمة لها مجاناً. وبعدها يُخيّر مريض الإسعاف أو ذويه، بالبقاء في المستشفى، وهنا يصبح بقاؤه في المستشفى مأجوراً، أو يختار الذهاب إلى مشفى آخر لإتمام المعالجة.

وبناء على هذا القرار فإن الحالات الاسعافية المجانية تشمل: "استقبال المريض وفحصه وتقديم الاستشارة الاسعافية، إنعاش المريض وتقديم ما يحتاجه من إجراءات تنفسية وقلبية، فتح طريق وريدي محيطي أو مركزي، تسريب السوائل الوريدية بما فيها نقل الدم الاسعافي وبدائله، ايقاف النزف، تسكين الألم، خياطة الجروح بأنواعها المختلفة الضماد الأول، الفحوص المخبرية الاسعافية، الفحوص الشعاعية الاسعافية، الايكو الاسعافي، القثطرة البولية الاسعافية، خزع الرغامى الاسعافي، كل الأعمال الجراحية الاسعافية، الأدوية الاسعافية، المصول الاسعافية، اللقاح المضاد للكلب، تفجير الصدر الاسعافي، الخدمات المقدمة لمريض الاسعاف حتى تخرجه من المشفى".

قرار حكومي.. ولكن

لكنه قرار كُتب ووُضع في الأدراج وقُفل عليه. فلا مشفى خاص في سوريا يعترف بهذا القرار. وكافة المشافي الخاصة تترك المريض يموت على أبوابها إن لم يدفع سلفة، باستثناء بعض الحالات الاسعافية لمصابي "النظام" أثناء الاشتباكات. وغير ذلك، يكون مصيرك، "معك مصاري بيستقبلوك.. مامعك الله معك.. اذهب لمشافي الدولة".

استخفاف بالمواطن ومصيره

يظهر التناقض واستخفاف "النظام وحكومته" بالمواطن السوري جلياً بإصدار قرار يقضي بفرض زيادة على أجور التداوي في المشافي العامة والخاصة بنسبة 60%.

فوزارة الصحة ترفع بشكل دوري ولكن غير مدروس، أسعار الأدوية وكشفية الأطباء وأجور العمليات بالمشافي، وبالمقابل المواطن السوري غير قادر على شراء الدواء أصلاً فكيف بهكذا أجور في المشافي؟

المواطن بين ناري المشافي العامة والخاصة

باتت المشافي الخاصة مقصداً اضطرارياً للمزيد من السوريين، بعد تراجع الخدمات في المشافي الحكومية التي باتت تعاني من نقص كبير في الكوادر الطبية نتيجة هجرة العديد منهم بسبب الحرب. فيضطر المريض لمراجعة أكثر من طبيب بأجور معاينات مرتفعة، بالإضافة إلى ما يُطلب منه من تحاليل وصور لا تعطي نتيجة دقيقة إذا تم إجراؤها في مشفى حكومي، فيلجأ للقطاع الخاص بأسعار مرتفعة حتى يتم علاجه.

وأسعار المشافي الخاصة جنونية حيث تتراوح تكلفة الغرفة العادية لليلة الواحدة بين (50 - 75) ألف ليرة سورية، أما تكلفة الغرفة في العناية المشددة لليلة واحدة تصل إلى (125) ألف ليرة سورية.

وتحولت المشافي العامة والخاصة إلى "مسالخ"، وأسعار "كاوية" في الخاص ولا توجد رقابة، ولا توجد تسعيرة موحدة في المشافي الخاصة.

بعض الأسعار والأجور في المشافي الخاصة

تتقاضى المشافي الخاصة، كأمثلة، عن تقطيب جرح 10 آلاف ليرة سورية، أما أجرة إبرة تنزيل الضغط - وهي حالة اسعافية- فوصلت إلى 17000 ليرة سورية.

أما أبسط العمليات كعملية "اللوزات" فوصلت تكلفتها في المستشفى الخاص إلى (200) ألف ليرة سورية، وعملية "الزائدة الدودية" فقد وصلت إلى نصف مليون ليرة سورية ما بين إجراء تحاليل وعمل جراحي وإقامة في المستشفى وبعض الأدوية.

 في حين وصلت تكلفة الولادة الطبيعية لتتراوح بين (125 - 175) ألف ليرة سورية حسب اسم المستشفى. ووصلت تكلفة الولادة القيصرية إلى (300) ألف ليرة سورية.

وإن كانت الولادة في المشافي الحكومية أرخص بكثير فهي لا تتجاوز 10 آلاف ليرة سورية كمبلغ يعطى للطبيب، إلا أن سوء الرعاية وكثرة الولادات في اليوم الواحد من قبل طبيب واحد مناوب قد تصل إلى عشر ولادات متواصلة، يضطر الكثيرين للتوجه إلى المشافي الخاصة.

أما عمليات "القلب" فقد تجاوزت في المشافي الخاصة المليون ليرة سورية، وعمليات في "الدماغ والنخاع الشوكي" فتجاوزت المليونين ليرة سورية، كحال "أم محمد" التي تعاني من انتفاخ (بالون) شريان في الدماغ وعند مراجعة عدد بسيط من الأطباء السوريين الذين يقومون بمثل هذا العمل الجراحي، طلبوا كمبلغ خاص للطبيب فقط، مليوني ليرة سورية، بالإضافة إلى تكاليف المستشفى والصور والتحاليل والأدوية. وقد وصلت عملية "تركيب مفصل" إلى مليون ليرة سورية.

وأخيراً

يبدو أن قرار المجان (10%) قد تم تجاهله في المشافي الخاصة تماماً، وربما لم ولن تسمع به، ولن تلتزم بهكذا قرار وضعه "نظام" لا يملك السلطة على نفسه ليفرضها على أصحاب المشافي الخاصة ذوي المال والنفوذ. فمن يأخذ أُجرة على قياس ضغط أو وخز إبرة، كيف له أن يقوم بعملية إسعاف كاملة وبالمجان؟!

ولكن الأهم كيف للمواطن السوري أن يلوم المشافي الخاصة إن كانت مراكز ومستشفيات "الهلال الأحمر" قد توقفت عن الإسعاف وعلقوا لافتات كبيرة في مداخلهم كتب عليها (توقف الإسعاف لتوقف دعم الجهات الداعمة). فلك الله أيها المواطن السوري كُتب عليك إما الموت في السجون أو تحت ردم بيتك بقصف البراميل والطائرات أو على أبواب مشافي الوطن!

ترك تعليق

التعليق