وادي بردى.. من حصار خانق إلى آخر ناعم


تحسين الوضع المعيشي كان إحدى أبرز وعود نظام الأسد لأهالي بلدات وقرى وادي بردى، تزامناً مع خروج الثوار منها وفقاً لاتفاق "البلدات الأربعة" الذي أُبرم في أواخر كانون الأول من العام 2017 وذلك بعد حصارٍ دام لأكثر من سنةٍ انعدمت فيه كافة أشكال الحياة.

وبعد الاتفاق ومغادرة 12 ألف شخص إلى الشمال السوري، فضّلوا التهجير على التسوية و"المُصالحة"، توافرت غالبية السلع في الأسواق الشعبية بالوادي، إلّا أنّ قدرة المواطن الشرائية تتجاوز العجز الكلّي أمام ارتفاع جنوني في أسعار المواد الرئيسية وغياب طويل لسوق العمل الذي حُرم منه أبناء الوادي لست سنوات مُتتالية بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، الحاج "أبو مروان"، أحد قاطني بلدة بسيمة حالياً.

وأضاف الحاج أنّ "الحياة الطبيعية" عادت بشكل شبه تدريجي لكنّها في واقع الحال عبارة عن تمثيلية يعيشها أبناء الوادي بسبب تقاسم الفروع الأمنية و"حزب الله اللبناني الإرهابي" الموارد الاقتصادية واحتكار مكاسبها.
 
وأشار الحاج مروان إلى أنّ عدد سكان قرى الوادي قبل العام 2011 بلغ أكثر من 100 ألف نسمة يعيشون في ثلاثة عشر بلدة، وبعد طي صفحة سيطرة الثوار عليها بقي فيها حوالي 30 ألف نسمة من أبنائها والمُهجّرين إليها، بينما يقطنها الآن ما يُقارب 50 ألف نسمة.
 
وبحسب الحاج مروان ما يُخفّف من وقع صدمة ارتفاع الأسعار لدى غالبية سكان الوادي هو ما تعرّضوا له من حصارٍ خانقٍ قضى فيه 200 شخص نتيجة انعدام الغذاء والدواء، وتخطّى خلاله ثمن كيلو الأرز الواحد 150 دولار أمريكي، بينما ثمنه الآن لا يتجاوز دولاراً واحداً، وقياساً بذلك يعيش أبناء الوادي بشكل مُريح نفسياً بعض الشيء.

منطقة وادي بردى تتصدر قائمة الكتالوج السياحي السوري، وتُمثّل الخزّان المائي للعاصمة دمشق. ينبع فيها نهر بردى بالقرب من مدينة الزبداني ويصب في الغوطة الشرقية قاطعاً مسافة 84 كم مروراً بوسط العاصمة.

وتُعتبر مناطق "بلودان، مضايا، الزبداني، عين الفيجة، بقين" وجهات سياحية سورية جاذبة ومناطق اصطياف مميزة بطبيعتها الخلابة.

 وفي الشهر الثاني من هذا العام أصدرت حكومة الأسد القرار "1444" المُتضمّن إحداث مركز سياحي في منطقة بلودان يتبع لمديرية السياحة في ريف دمشق. كما وافقت محافظة ريف دمشق على إحداث طابق إضافي للمشاريع الجديدة.

تنظيم المهرجانات وافتتاح صالات الانترنت والمُنتزهات الشعبية والمخملية والمقاصف بأشكالها لتنشيط السياحة التي غابت لست سنوات هي تعويض لخسائر 80% من المنشآت السياحية المُدمّرة بشكل كُلّي بحسب ما ذكرت لـ "اقتصاد" السيدة (ن ، ن) القاطنة في منطقة الزبداني.

وأضافت السيدة أنّه مهما تحسّن الواقع السياحي في منطقة وادي بردى فلن يترك انعكاساً ايجابياً على السكان، فمن يعمل من السكان في المنشآت السياحية لا يتجاوز راتبه 150 دولار شهرياً بينما تكلفة الطاولة الواحدة في المنشأة تتجاوز 50 دولاراً، ومن أعاد فتح محله التجاري في أسواق منطقة الوادي وشوارعها يدفع ضريبة كبيرة للجهات الأمنية العاملة في المنطقة وعناصر ميليشيا حزب الله اللبناني بذريعة حمايتهم للأسواق وهذا الأمر يتم بشكل صامت بعيداً عن الدوائر الرسمية حاله كحال تهريب المخدرات والدخان من لبنان إلى سوريا مروراً بالوادي.
 
وأشارت السيدة (ن ، ن) أنّه لا يوجد ملجأ لقاطني الوادي سوى العودة لزراعة أراضيهم والاعتماد عليها لأنّهم يشترون المواد الغذائية من الأسواق بزيادة 25% مقارنة بأسعارها الحقيقية، ودائماً لدى التجار ذرائع أهمّها بعد المسافة عن دمشق والتي تتطلّب استهلاك وقود أكثر للوصول إليها والعودة منها أثناء التسوّق.

فيما يتعلق بإعادة الإعمار، شهدت قُرى الوادي حركة عمرانية بسيطة وخجولة، بينما تحرّك سوقها العقاري للأفضل، حيث بلغ ثمن دونم الأرض الواحد فيها حوالي 75 ألف دولار أمريكي، ومتوسط المحل التجاري 50 ألف دولار.

مصادر رسمية في حكومة نظام الأسد أعلنت عبر وسائل إعلامها أنّ إعادة إعمار وادي بردى يُقدّر بتكلفة مليار ليرة سورية قُدّم منها 300 مليون ليرة لإصلاح شبكات الهاتف والمياه في الربع الأخير من العام الماضي.

من حصارٍ علنيٍ خانقٍ إلى حصارٍ مُبهمٍ ناعمٍ، انتقل أبناء منطقة وادي بردى التي تبعد عن وسط العاصمة دمشق 15 كم لا أكثر. فعوضاً على أن تكون منطقتهم، وبتوظيفهم واستثمار جهودهم، مُساندةً للاقتصاد المحلي وثقلاً مُميّزاً له انعكاسات ايجابية، تفرض عليهم رؤية النظام المجرم، الدوران في ذات المكان دون تقدّم أو تأخّر، ليبقى ضنك المعيشة هو المُحرّك الأول لحياتهم وقراراتهم.



ترك تعليق

التعليق