مهجّرون فرّق بينهم الحصار في ضواحي دمشق.. وكانت إدلب شاهدة على لحظات اللقاء الأولى


كانت نتائج التبدل الكبير في خرائط القوى الذي بدأ نهايات العام 2016 كارثية بالنسبة للمعارضة على الصعيد العام، لكن على الجانب الشخصي أدت عمليات النزوح والتهجير إلى لقاء العديد من الأشخاص بمعارفهم الذين فرقهم تحول مناطق المعارضة حول دمشق إلى كانتونات صغيرة محاصرة.

ينتظر "عبادة" بفارغ الصبر، فمنذ ساعة اتصل به صديقه القديم "جلال" عبر "فيسبوك"، ليخبره أنه قادم إلى المدينة التي يسكن فيها بريف إدلب الشرقي.

تصادق جلال وعبادة كما يتحدث الأخير لـ "اقتصاد"، منذ أيام الدراسة الجامعية قبل الثورة بسنوات. وعلى مر الأيام غدا الصديقان أشبه بالتوأم الذي لا ينفصل عن بعضه. لكن ظروف المعارك التي دارت في مدينتيهما كتبت على عبادة ابن مدينة داريا أن يحبس في سجن الحصار كما حدث مع جلال الدوماني الذي حوصر في نفس التوقيت تقريباً.

يصل تسجيل صوتي إلى جوال عبادة "أنا في الشارع العام بسرمين"، إنه صوت صديقه القديم. يعلق عبادة بالقول، "منذ سمعت هذا الصوت انهالت علي ذكريات لا حصر لها".

يصمت قليلاً ثم يتابع: "طافت أفكار كثيرة شديدة العذوبة في ذهني خلال سيري باتجاه موقع صديقي. التجهيز للامتحانات تحت شجرة الزيتون الكبيرة في مزرعة جلال. فطور الفول المدمس مع التسقية في مطعم النور بداريا. كباب لحم الجمل الذي اعتدنا على تناوله في إحدى أراضي البرية بدوما. الشاي الأخضر بالنعناع البلدي الذي لا يمكن مقاومته والذي كنا نشربه في كل مكان".

لم يصدق الشابان أنهما التقيا. يسجل عبادة خلال حديثه هذه الملاحظة، "في ظل الحصار كان التفكير في مجرد اللقاء أقرب إلى المستحيل. كنا نتساءل حينها: هل سينتهي الحصار؟، هل وُجد أصلاً كي ينتهي؟".

كانت علامات الحصار واضحة المعالم على جلال القادم منذ أسابيع قليلة من دوما. أما عبادة فمحت السنة والنصف التي قضاها في إدلب جميع آثار الحصار.

ساعات طويلة قضاها الشابان معاً بعد فراق 6 سنوات، "مضت كأنها كابوس طويل لا يريد الانتهاء". لم يتوقع الصديقان أن يتفرقا في ظل حصار خانق يوماً ما. أما التقاؤهما في أقصى الشمال حيث تبعد مدينتهما آلاف الكيلومترات عن إدلب، فهذا شيء لم يكن ليخطر لهما على بال.

في النتيجة؛ يشترك جميع المحاصرين الذين فرقتهم ظروف الحرب التي بدأت نهايات 2012 حول دمشق، في كون محافظة إدلب هي نقطة الالتقاء.

"وداد" على سبيل المثال، تهجرت منذ سنتين من مدينة معضمية الشام لكن ابنة عمها "منى" لم تتمكن من لقائها إلا بعد سنة من هذا التاريخ. اشتركت ابنتا العم في نفس ظروف الحصار في منطقتين متفرقتين. قدمت "منى" من بلدة مضايا منتصف 2017 ضمن نفس الباصات ليتم لقاؤها بقريبتها وصديقتها في ريف إدلب أيضاً.

"عندما نشبت الحرب في المعضمية نزح معظم الأهالي ومن بينهم أعمامي وأولادهم. ابنة عمي منى حوصرت مع أهلها في مكان نزوحها بمضايا بعد سنتين من حصار المعضمية. وتنفيذاً لاتفاق المدن الأربع خرج عمي كغيره من مئات الأسر نحو الشمال السوري. وهكذا التقينا بعد فراق طويل دام أكثر من 5 سنوات"، تتحدث وداد لـ "اقتصاد".

في بعض الحالات؛ تكون تركيا هي محطة الترحال الأخيرة للمهجرين ممن يبحث عن فرصة عمل جيدة أو لم يتأقلم مع الوضع في محافظة إدلب. لكن تبقى الأخيرة هي المكان الذي حفظ اللحظات الأولى لأي لقاء.

تهجرت "ليلى" من وادي بردى بداية العام 2017 واستقرت في مدينة إدلب مع عائلتها على أمل عبورها نحو الأراضي التركية للالتقاء بخطيبها "أسامة" الذي ترك وادي بردى قبل أن يحاصر، متوجهاً نحو تركيا للعمل.

قالت ليلى لـ "اقتصاد": "اتفقت مع خطيبي وقتها على سفره إلى تركيا للعمل وبعد سنة سألحق به لنتزوج لكن النظام سرعان ما حاصر وادي بردى وبدأ القصف والمعارك".

انتهت حملة وادي بردى كغيرها بتهجير مئات المقاتلين والثوار مع عائلاتهم.

فور وصولها إلى إدلب توجهت ليلى نحو الحدود مع تركيا لتتمكن بعد عدة أيام شاقة من التسلل إلى الأراضي التركية.



ترك تعليق

التعليق