قبرص.. كل شيء عن حياة السوريين فيها


 في البداية لابد من الإشارة إلى أنه يبدو أن هناك نوع من التوافق بين السوريين القلة الموجودين في قبرص، على أن لا يتم تداول أسمائهم وقصصهم في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المعارضة أو غيرها. ويفسر البعض ذلك، ممن يدرس في قبرص, أن حكومة النظام السوري في تجارب سابقة قامت بسحب الاعترافات من جامعات يدرس بها طلاب أظهروا نشاطاً سياسياً أو إعلامياً معارضاً له، وكانت إحدى التجارب أن طالباً خرج وتكلم على قناة الجزيرة في مرحلة سابقة, وهذا ما ألحق الضرر بآخرين.
 
سوريون في قبرص

السوريون في قبرص الشمالية (التركية) في غالبيتهم العظمى من الطلاب في عمر الشباب, وجاء نصفهم تقريباً أو أكثر من أبناء السوريين المقيمين في الخليج, بالإضافة للبعض ممن جاء مباشرة من سوريا أو تركيا. وعلى حسب كلام بعض الطلاب السوريين في قبرص بوصفهم حياتهم فيها، بأنها "جيدة جداً وسمعة السوريين طيبة".
 
فأغلب السوريين القادمين إلى قبرص "الشمالية" يفضلها لطلب العلم, ومن يختار العمل من هؤلاء الطلاب ينتهي به الأمر بشكل أساسي في مجال الخدمات (مطاعم, فنادق.. الخ)، أما بعض رجال الأعمال السوريين فقد افتتحوا أعمالاً من المستوى المتوسط  في مجالات (تجارة العقارات ومطاعم عربية).

هل قبرص مكان مناسب للجوء السوري؟

 لا يوجد في القسم الشمالي لجوء بالمعنى القانوني، أما القسم الجنوبي (اليوناني) يمكن التهريب إليه, ولكن اللجوء فيه سيء جداً ولا يتم منح إقامات، حتى أنه يرمى بالأشخاص في مخيمات. وإذا فكر المرء بالذهاب إلى القسم البريطاني من الجزيرة (القاعدة البريطانية في قبرص), فهذا يعتبر أسوأ الخيارات, حيث يوجد هناك أشخاص عالقين منذ عشرات السنين.

ما هو مستوى المعيشة مقارنة مع الدخل؟

بالنسبة للقبارصة الأصليين يلاحظ أنهم من الميسورين، ويعتمدون بشكل أساسي على عائدات عقاراتهم الخاصة والأجور للطلاب والسياح، وبشكل عام أغلب القبارصة يعيشون أو عاشوا في بريطانيا، ولهم فيها موطئ قدم، أما السوريون الموجودون فيها يمكن اعتبارهم من الطبقة المتوسطة.

ويمكن ملاحظة أن الأسعار مرتفعة مقارنة مع تركيا (تقريباً 15-20% زيادة عن تركيا). وعلى العموم كل السلع أعلى من باقي الدول, باستثناء البترول والعقارات فهي أرخص. يتراوح المصروف الشهري ما بين (300-500) دولار.

حول أجور المنازل والعمل والمعيشة والتنقلات

عادةً ما تؤجر المنازل سنوياً, وتبدأ الأجورات من (2500) دولار، ويبلغ سقفها إلى (8000) دولار تقريباً.

وبالنسبة للعمل يتم وفق القانون, والحد الأدنى القانوني لأجور العامل حوالي (2200) ليرة تركية ( في القسم الشمالي من قبرص), وقد يقتطع منه تكاليف إقامة العمل.

أما النقل، فتعتبر قبرص من البلدان الصغيرة بالنسبة للمساحة، ولا يوجد مشاريع مواصلات كبيرة للتنقل داخل البلد، وينتشر فيها "التكسي" للأجرة، بالإضافة لباصات جامعية مجانية لكل الطلاب. مع توفر باصات نقل داخلي بين المدن.

 ويحدثنا أحد السوريين المقيمين في قبرص، ويدعى "محمد"، قائلاً: "مشوار التكسي عادة يأخذ (15-20) ليرة تركية".

كيف يمكن الدخول إلى قبرص؟

كل من يحصل على قبول جامعي يستطيع من خلال "كتاب القبول" الدخول عبر المنافذ البحرية والمطار، ويسمح له بالدخول بدون فيزا، كما يمكن للطلاب دعوة عائلاتهم رسمياً للقدوم بلا فيزا للزيارة، وخلاف ذلك يجب على المرء مراعاة قوانين الفيزا المعمول بها في البلاد.

هل يُنصح السوريون بالذهاب إلى قبرص  للعمل؟

يرى أحد من تحدثنا إليهم من السوريين، وفق تجربته في العمل لأربع سنوات في قبرص، أن العمل فيها ينصح به في حال توفر رأسمال "مبحبح شوي", والتوجه للاستثمار في مجالي العقارات أو الخدمات (المطاعم والمقاهي تحديداً).

أما في ما يتعلق بالدراسة وضح لنا "أحمد"، وهو طالب سوري تخرج مؤخراً من إحدى جامعات قبرص الشمال المعروفة، قائلاً: "بشكل عام الدراسة جيدة هنا, حيث يوجد أكثر من جامعة, وليست كل الجامعات بنفس درجة الجودة والتصنيف، بل هناك تفاوت في هذا الأمر، في النهاية, السوري يختار الجامعة تبعاً للعوامل التالية: الإجراءات الورقية والبيروقراطية والفيزا, جودة الجامعة, التكاليف. بعد مراعاة هذه العوامل قررت بشكل  شخصي الدراسة هنا".

هل هناك ما يشجع على الحصول على الجنسية القبرصية، أو التفكير بها؟

 يتبادر إلى أذهان السوريين بشكل اعتيادي بسبب الأوضاع العامة المزرية لما يعيشه بلدهم التساؤل الهام للبعض "هل تفتح قبرص للسوري فرص الدخول لأوروبا، وهل يمكن أن تسهل الجنسية القبرصية إجراءات دخوله إلى أوروبا، وكيف يتم الحصول عليها؟...الخ".

 في البداية, الجنسية "القبرصية التركية" غير معترف بها إلا في تركيا, ونادراً ما تُعطى أصلاً. هناك فرصة مستقبلية قائمة على احتمال "متشائل", وهو أن تتوحد الجزيرة بقسميها التركي واليوناني, عندها يصبح الجواز جواز سفر أوروبي. ولكن "على قولة القبارصة نفسهم، يبقى توحيد هذه الجزيرة حلم إبليس بالجنة"، وذلك وفق مشاهدات "محمد" خلال سنين دراسته في شمال قبرص. والذي يتابع شارحاً ظروف الدراسة والمعيشة بالنسبة له ولأصدقائه السوريين ويبين أن أبرز الصعوبات التي عايشوها هناك هي "التنقلات, ضعف أواصر المجتمع السوري".

أبرز المحفزات للعيش في قبرص

 الطبيعة الخلابة (جبل وبحر), فهي تعتبر جزيرة معزولة وسط البحر، لكنها قريبة من منطقتنا بذات الوقت, ويمكن ملاحظة اللطف و"الدماثة" لدى سكان قبرص.

والسكن، سهل التأمين وأموره ميسرة، ويمكنك استئجار فلل واسعة وحتى شقق مؤلفة من غرفة واحدة فقط وفق إمكاناتك.

أما المعيشة، يلاحظ الغلاء، ولكن بشكل عام يمكن اعتبار تكاليفها متوسطة، وقد ترتفع التكاليف وهذا يعود إلى الاعتبارات الشخصية والقدرات المالية لكل شخص.

ويلاحظ حالياً أن البنية التحتية تزدهر وتشهد تطوراً ونمواً، مما يجعل التخديم أفضل وأفضل. ويضيف محدثنا في وصف تجربته حول معاملة القبارصة: "إن رأيتهم فهم لطيفين جداً, وودودين بشكل خاص, ومتحررين تاريخياً. ولكن أغلب تفاعلنا يكون مع طلاب أتراك من أقراننا, الذين لعلهم أقل انفتاحاً من القبارصة, لكنه مع ذلك يمكن الوصول إلى قلبهم إن عرف المرء كيف يكلمهم".

كيف توصف تجربة العيش والدراسة في قبرص؟

يتابع "أحمد" كلامه: "أتمنى أن أحظى بالاعتبار العلمي أو العملي بما يناسب الجهد الأكاديمي الذي قمت به".

  وحول ما يمكن أن يقدمه من نصائح وانتقاداتك يضيف على كلامه: "أولاً, تعلم التركية، ثانياً: بالإضافة لكون الجزيرة مركز علم, ولكنها أيضاً مركز لأمور أخرى فلا تشتت انتباهك وتضيع مستقبلك بما يضرك". ويتابع: "لربما أنتقد المجتمع السوري هناك, الذي عليه أن يكون سورياً أكثر ربما, وأكثر تماسكاً".

هل قبرص تخلو من التمييز والعنصرية...؟

 يرى بعض السوريين قبرص وبشكل قطعي بأنها متنفسٌ للسوريين في موضوع التمييز والعنصرية التي لا تظهر إلا ما ندر، لكن لا يخلو الأمر من حالات هنا وهناك، فالتمييز إن وقع, فهو بسبب حساسية القبارصة من بعض الخلفيات المحافظة، حسب وصف سوريين تحدثوا لـ "اقتصاد".

 كيف  يمكن أن تحقق التفوق الدراسي؟

 يقدم أحد الطلاب السوريين المتفوقين في جامعات قبرص تجربته كنصيحة لتحقيق التميز والنجاح العلمي، ويقول: "ابتعدت عن كل ما يمكن أن يشتت تركيزي الدراسي من وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز، واخترت أن ألتزم فترة سنين الجامعة هذه في دراستي, ووضعت برنامجاً لنشاطي اليومي، كل يوم كنت أستيقظ, أمارس رياضية صباحية منزلية, وأجلس للدارسة, ثم أستريح وأذهب للتنزه وتناول الغذاء, ثم أعود لجلستي. رغم أن هدفي النهائي (الذي لم أحققه) كان أن أدرس 16 ساعة باليوم، ولكني وصلت".

وأضاف محدثنا: "رغم غياب بعض ما يشجع على الدراسة مثل الدعم الأسري، والمعاناة من الوحدة، إلا أن الجهد والرغبة الشخصية، والبعد عن المنغصات، كان أساساً للنجاح. كنت لوحدي, وفخور جداً أنني تفوقت في ظل حالٍ مثل هذه, كحال ترمز لحال الشعب السوري الوحيد في كل شيء".

هل يوجد فرص لعمل السوري المتخرج من قبرص فيها؟

بشيء من الاختصار الشديد يوضح بعض الخريجين أنه لا يمكن توقع البقاء في قبرص، وعموماً لا يزال من المبكر الحديث عن فرص العمل بشكل عام لأغلبهم فلم تبدأ تجاربهم بعد في سوق العمل ولم يدخلوا المنافسة على سوق العمل بعد.

بعض أصدقائهم الأتراك وجدوا لهم عملاً في تركيا مباشرة بل حتى قبل تخرجهم, بينما السوريون وضعهم مختلف ومعقد، لذلك يقول لنا أحدهم حيال مستقبله: "لنر ما سيحصل".

ترك تعليق

التعليق