هل أرسل بشار الأسد ميس كريدي وصحبها إلى القامشلي، للتحذير من سيناريو عفرين؟


 تصاعد الحديث مؤخراً حول إمكانية التوصل لاتفاق ينظم العلاقة بين نظام بشار الأسد بدمشق، وبين "الإدارة الذاتية" الكردية التي أسسها حزب "الاتحاد الديمقراطي" PYD بمدينة عامودا شمال الحسكة.

وساهمت تصريحات رئيس "هيئة العمل الوطني الديمقراطي" محمود مرعي ونائبته ميس كريدي، حول قبول قيادات كردية التفاوض مع النظام، بفتح الباب أمام الشائعات للانتشار بين الأهالي في محافظتي الحسكة والرقة ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة ميليشيات يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي" ضمن تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" المدعوم من التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

وربط مروجو الشائعات -بينهم محمود مرعي- بين إزالة رايات PYD من ساحات وميادين مدن الحسكة وبين الأنباء التي تتحدث عن مفاوضات قد تفضي إلى صيغة علاقة جديدة بين النظام والحزب الكردي، الذي أفسح المجال له عام 2012 لينتشر مسلحوه شمال سوريا بالمدن الكردية قرب الحدود مع تركيا، قبل أن تمد له الولايات المتحدة يدها وتزوده بأسلحة ثقيلة بشكل رسمي عام 2015.

تصريحات مرعي مطلع هذا الشهر، فرخت العديد من الشائعات حول علاقة النظام بحزب "الاتحاد الديمقراطي" ومصير منطقة الجزيرة، حين أكد أن قيادات الأحزاب الكردية أبلغته خلال زيارته القامشلي بداية حزيران يونيو الماضي، استعدادهم لإرسال وفد إلى دمشق للحوار من دون شروط مسبقة، بوساطة "هيئة العمل الوطني".

وأشار مرعي في حديث لجريدة "الراي" الكويتية، إلى تخلي "الأكراد" عن مطالبهم بالفيديرالية والدولة الاتحادية، وأنهم وباتوا يقبلون عرض دمشق بـ "اللامركزية الإدارية الموسعة" التي تتضمن انتخاب المجالس المحلية ابتداء من المختار وحتى المحافظ وذلك  على أساس مرسوم أصدره بشار الأسد الأحد الماضي حدد فيه يوم 16 أيلول موعداً لهذه "الانتخابات"، التي أجريت آخر مرة في سنة اندلاع الثورة السورية 2011.

واللافت في الأمر، أن الناطقة الإعلامية ميس كريدي، ركزت في اجتماعاتها وفي المؤتمرات الصحفية ولقاءاتها الإعلامية مع وسائل إعلام كردية، على النقطة ذاتها، أي انتخابات محلية عقب تعديل القانون رقم 107، إلى جانب التخويف من مصير مشابه لمصير عفرين في القامشلي، أي أنه هناك محاولة لاستيعاب "الإدارة الذاتية" في إدارة محلية موسعة استناداً إلى التعديل المنتظر لهذا القانون.

وتحدثت ميس كريدي في مؤتمر صحفي بالقامشلي قبيل عودتها عبر مطار القامشلي إلى دمشق،  8 حزيران المنصرم، عن التقاط الإشارة من بشار الأسد حين تحدث عن إمكانية الدخول بمفاوضات مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" وحلفائه في الإدارة الذاتية وأيضاً في كلام وزير خارجيته وليد المعلم. في إشارة إلى عرضه خيار المفاوضات أو القوة لاستعادة السيطرة.

من طرفه، قال عضو المكتب السياسي للمنظمة الأثورية الديمقراطية كرم دولي لـ "اقتصاد" إنه لا يتوقع أن يتم انجاز مثل هذا الاتفاق وتطبيقه لحين موعد 16 أيلول المقبل، أقله من حيث المدة الزمنية. فهناك عدة اعتبارات يمكن أن تعطل أو تؤخر تطبيقه منها ما هو مرتبط بطبيعة الاتفاق وقدرته على تلبية تطلعات جمهور "قسد" وكسب تأييد كردي واسع حوله خاصة وأنه لن يأتي كنتيجة لتعديل دستوري بقدر ما سيرتبط بقانون الإدارة المحلية 107.

وأوضح دولي أن التخلي الأمريكي عن "قوات سوريا الديمقراطية" في عفرين ومن ثم في منبج، وربما يضاف له سلوك أمريكي مشابه مع فصائل المعارضة المسلحة في الجنوب، قلص من الخيارات المتاحة لـ "قسد"، مضيفاً: "يبقى الخيار الأمثل دائماً مرتبطاً بتوفر إرادة سياسية حقيقية لديها (سوريا الديمقراطية) للنهوض بحوار شامل وغير مشروط مع مختلف قوى الطيف الوطني في مناطق سيطرتها بهدف تحقيق أوسع تفاهم وطني لإدارة المرحلة ومواجهة تحديات الحاضر والمستقبل".

وأشار إلى أن وفد "هيئة العمل الوطني الديمقراطي" زار مقر المنظمة بالقامشلي واقتصرت الزيارة فقط على التعارف ولا يمكن أن يندرج تحت مسمى "اجتماع".

‏وفد "معارضة الداخل" أو كما توصف "المعارضة المصطنعة"، والمكون من ميس الكريدي، ومحمود مرعي، و عبدالعزيز داوود، وهاني خوري رئيس حزب السلام، وفواز تقي الدين أمين عام حزب سوريا الغد، قال إنهم "التقوا الحزب التقدمي الكردي، والتحالف الوطني الكردي، ومجلس سوريا الديمقراطي، ومنظمة المجتمع الديمقراطي (الحركة الأم لـلاتحاد الديمقراطي)، وحزب الاتحاد السرياني وبعض ممثلي العشائر ومجلس الكنائس وسياسيين وممثلي المجتمع المدني.."، لدفعهم الى طاولة الحوار والتفاوض مع حكومة النظام.

وذكروا أن الأحزاب الكردية أعلنت جاهزيتها لإرسال وفد لدمشق والتفاوض دون شروط مسبقة، فيما تفيد الأنباء الواردة من القامشلي بأن "مجلس قبيلة طي" اعتبر الإدارة الكردية سلطة أمر واقع تظلم العشائر، وهذا ما أخفاه الوفد القادم من أجل هدف محدد، هو التحذير من تكرار سيناريو عفرين في حال رفضت المفاوضات.

تعليق "الإدارة الكردية"

"حركة المجتمع الديمقراطي"  TEV-DEM  قالت في بيان يوم 29-6-2018، إنها لم تجري "تفاوضاً مع حكومة دمشق"، ولا يوجد حتى الآن أية قنوات تواصل وتفاوض مباشر، معتبرة ما يعلن عنه "حملات دعائية" لا أساس لها من الصحة.

وأضافت أنها مستعدة "من أجل خدمة الحل الوطني السوري"، ولم ترفض التحاور مع أي طرف، لكن بضرورة وجود نوايا جادة وصادقة، "لذا نحن لا نرى بأن العمل مع أي طرف سوري من أجل الحل والاستقرار أمرٌ خاطئ"، مؤكدة بأنه حتى الآن لم يحدث أي شيء رسمي مع أحد.

وهذا يتعارض مع حديث إعلاميين وصفحات موالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عرضت بنوداً قالت إنها كانت على طاولة مفاوضات عُقدت في دمشق خلال الشهر الماضي بين النظام والإدارة الذاتية الكردية. لكنها تبدو كشروط يأمل النظام تحقيقها أكثر منها بنود اتفاق مُقر بين الطرفين، وهي:
1 - إزالة كل صور ورموز وأعلام الأكراد في مناطق سيطرتهم وخصوصاً صور عبدالله ‏اوجلان.
2 - عودة شعب التجنيد إلى كل مدن الحسكة.
3 - إقامة حواجز مشتركة داخل مدن الحسكة.
4 - انضمام عناصر الوحدات الكردية إلى قوات النظام.
5 - تسليم معبري "تل كوجر/اليعربية" و "سيمالكا/ التونسية" مع العراق شرقاً و"الدرباسية" ‏و "رأس العين" الحدوديين مع تركيا شمالاً للنظام.
6 - تسليم حقول النفط والغاز لوزارة النفط والإدارة العامة لرميلان و الجبسة.

‏ اتفاق الرقة

من جانب آخر، قالت مصادر محلية لـ "اقتصاد" إن مصدراً وزارياً أبلغ بعض الموظفين في الطبقة بأن جميع الإدارات والمؤسسات ستشرع بعملها داخل المدينة وجميع المناطق الواقعة على يمين الفرات، يوم الخميس.

ويأتي ذلك، عقب حديث شاع في شوارع الرقة حول اجتماع محافظ الرقة عبيد حسن البليبل ورئيس الأمن العسكري بالرقة مع قادة أكراد في ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" للتفاوض حول إدارة المدينة، حيث اعترضت "سوريا الديمقراطية" على عودة مفرزة للأمن العسكري، واختيار مكان المربع الأمني ضمن الحي الأول في منطقة الفيلات.
 
من جهتها، شبكة "الرقة تذبح بصمت"، ذكرت بأن ميليشيات "سوريا الديمقراطية" أغلقت يوم (الأربعاء) كافة الطرق المؤدية إلى العبارات المائية على نهر الفرات، وسط أنباء عن وصول وفد تابع لنظام الأسد من بلدة السبخة إلى مدينة الرقة.

وعلى النقيض، أرسلت ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" رتلاً عسكرياً كبيراً من منطقة الجزيرة إلى "الطبقة" في الشامية عبر سد الفرات استعداداً لقتال قوات النظام، والتي تريد التحكم من جديد بإنتاج الطاقة الكهربائية وموارد المياه. ولهذا عملت قوات التحالف الدولي على السيطرة على البلدات والقرى الواقعة بمداخل سدود "تشرين" و"الفرات" و"البعث" على ضفة الشامية، وأيضاً لمنع استخدامها كجسور خلال المعارك.

ونفت "شبيبة الرقة" التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الأنباء عن وجود اتفاقيات تقضي بوجود دوائر خدمية (مربع أمني) للنظام في مدينة الرقة، معتبرة  أن هذه الأخبار "كاذبة".

وكانت مصادر إعلامية موالية تحدثت خلال اليومين الماضيين عن اقتراب عودة مديرية الأحوال المدنية التابعة للنظام لاستئناف العمل بالرقة وبكامل طاقمها الإداري والشرطة العدلية والمحكمة والسجل العقاري والمحكمة العقارية مع مديرية الخدمات الفنية وأملاك الدولة، وذلك بموجب اتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية".

خلاصة القول، إن هذه الشائعات المتصاعدة لن تمسي حقيقة ما لم يتم التوافق عليها بين واشنطن وموسكو وربما أنقرة وطهران أبرز اللاعبين على الساحة السورية، لذا فالأنظار مشدودة إلى لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلادمير بوتين.
 
وإلى ذلك الحين، فإن نظام بشار الأسد يحاول قطاف ثمار ما زرعه منذ البداية، فعندما شعر بأنه استعاد قوته، أراد أن يرسل رسالة إلى الإدارة الذاتية الكردية بأنه يجب التفاهم حول مصير المنطقة التي تحوي معظم حقول النفط السوري وأهم الأنهار والموارد المائية إلى جانب المساحات الزراعية الهائلة، وهنا سيظهر حزب "الاتحاد الديمقراطي" وحلفاؤه المحليين كجهة معارضة وحيدة تملك القوة والعتاد الثقيل والمساحة الشاسعة الغنية، ما يبرر التفاوض معها، بعد أن تغيرت النظرة إليها حين كان يسمح لها بالانتشار لتشكيل جدار فصل مع تركيا  بأسلحة خفيفة ومتوسطة في البدايات.

أمّا كتائب الجيش الحر وباقي الفصائل الثورية، فتحولت من فصائل تحظى بدعم دولي وتملك سلاحاً ثقيلاً، وتسيطر على معظم أنحاء سوريا، إلى كتائب تسلم سلاحها الثقيل بعمليات "استسلام" تسمى "مصالحة" مع نظام الأسد، ما سمح ببروز ما يسميها النظام "المعارضة الوطنية" أو كما تسمي نفسها معارضة الداخل بقيادة مرعي وكريدي، والتي جهزها النظام نفسه ليقول للعالم هذه المعارضة، والباقي هم مجموعات مسلحة تحمل السلاح دون هدف سوى التخريب.

ترك تعليق

التعليق