بين الموت والعبء الاقتصادي.. خيارات محدودة للمصابين بجروح أو أمراض مزمنة في درعا


أدى القصف العنيف الذي نفذته قوات نظام الأسد، وحليفه الروسي، لمدن وبلدات درعا المحررة، إلى خروج عدد من المشافي الميدانية والنقاط الطبية عن الخدمة، الأمر الذي أدى إلى تراجع إمكانية تقديم الخدمات العلاجية، وزاد من حجم الصعوبات التي يعاني منها القطاع الصحي في المناطق المحررة.

وأشار مصدر طبي في المحافظة، إلى أن التدمير الممنهج للمشافي الميدانية، على يد المحتل الروسي، فاقم من الأوضاع الصحية للسكان، وتسبب بموت العديد من الجرحى، بسبب نقص الإمكانيات، وعدم توفر الأجهزة والأدوية والكوادر الطبية.

ولفت المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن الطيران الروسي، وخلال مشاركته في الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام على درعا، تعمد تدمير المشافي الميدانية والمراكز الصحية، في مدن وبلدات "الحراك" و"المسيفرة" و"السهوة" و"الصورة" و"بصر الحرير" و"ناحتة" و"صيدا" في ريف درعا الشرقي، لإخراجها من الخدمة.

وقال المصدر، إن استهداف المشافي والمراكز الصحية، أعمال إجرامية تدخل في لب توجهات قوات النظام والمحتل الروسي، بهدف الضغط على الثوار وحاضنتهم الشعبية لدفعهم للاستسلام. وذلك على غرار ما فعله، خلال حملاته العدوانية، على كل من حلب والغوطة الشرقية وبعض المناطق.

وبيّن المصدر أن الكثير من الجروح والإصابات العادية والمتوسطة، أصبحت تتسبب بمضاعفات كبيرة للمصابين بها، وباتت تؤدي إلى الموت أحياناً، بسبب العجز عن تقديم العلاج المناسب في أوقاته المحددة، نتيجة نقص الأجهزة الطبية والأدوية، ولاسيما مضادات الالتهاب، وأدوية الأمراض المزمنة، ومستلزمات التخدير والعمليات الجراحية.

وأشار إلى أنه وبسبب المعارك التي تشهدها المحافظة، وتواصل القصف، يتعذر أحياناً نقل المصابين إلى المشافي الميدانية في مناطق محافظة درعا الأخرى، لافتاً إلى أن جميع مدن وبلدات وقرى محافظة درعا أصبحت مستهدفة، ولم يعد يوجد فيها مكان آمن.

وقال إن هناك مشافي لم تعد الاستفادة من خدماتها ممكنة، بسبب قربها من مواقع القتال أولاً، وبسبب سيطرة قوات النظام عليها ثانياً، سواء من خلال احتلالها بالقوة، أو من خلال ما يطلق عليه بـ "تسويات المصالحة" في بلدات مثل "ابطع" و"داعل" و"الغارية الشرقية" التي خرجت من خدمة أهالي المناطق المحررة.

من جهته، أكد المسعف رياض الحسن، أن العمل الطبي بات يعاني من صعوبات كبيرة، في ظل الحملة العسكرية على محافظة درعا، أهمها عدم توفر سيارات الإسعاف، ونقص الكوادر الطبية، إضافة إلى فقدان كميات كبيرة من الأدوية، وتعطل العديد من الأجهزة الطبية بسبب القصف.

وأضاف أن توقف مشفيي "الحراك" و"صيدا" وعدم تمكن المرضى من الوصول إلى مشفى مدينة "نوى" التي تتعرض هي الأخرى لقصف عنيف، فاقم من أوضاع مرضى الأمراض المزمنة، الذين يحتاجون إلى إشراف طبي مباشر، لا سّيما المصابين بالفشل الكلوي، حيث باتت حياتهم مهددة بالموت.

من جهته، أشار الصيدلاني عوض الناصر من ريف درعا الغربي، إلى أن إغلاق الطرق الرابطة بين العاصمة دمشق ومناطق درعا، بسبب الحملة، تسبب بفقدان الكثير من الأدوية، إضافة إلى فقدان حليب الأطفال لأعمار من شهر إلى ستة أشهر، في الكثير من صيدليات المناطق المحررة.

وتقول السيدة نجلاء، 34 عاماً، إن ابنها البالغ من العمر أربعة أشهر، لا يستطيع الرضاعة بالطريقة الطبيعية، لافتة إلى أنها اعتادت أن تعطيه حليب "بيبيلاك" 1 الذي تحصل عليه من الصيدليات بسعر 2500 ليرة للعلبة.

وأضافت أنه منذ انطلاق الحملة على درعا، فُقدت هذه المادة من الصيدليات، الأمر الذي أجبرها على استخدام أنواع أخرى من الحليب المتوفر بوصفات طبية، لكن أسعار هذه الأنواع أعلى بكثير، الأمر الذي وضعها أمام عجز مالي، واضطرها لاستدانة ثمن الحليب.

فيما أكدت "أم عبد القادر"، 60 عاماً، أنها كانت تحصل على احتياجاتها من خافضات السكري وأدوية الغدة مجاناً من المشافي الميدانية، لكنها الآن مضطرة لشرائها من الصيدليات وبأسعار تفوق إمكانياتها.

وقالت إنها اشترت علبة خافض سكري "غلوفانس" بـ 650 ليرة سورية للعبوة 30 حبة، وعلاج للغدة بـ 1300 ليرة سورية للعلبة سعة 100 حبة موضحة أن هذه تكاليف إضافية يتعين عليها وضع موازنة لها.

من جهته، أكد الحاج محمد نصار، 49 عاماً، أنه مصاب بفشل كلوي ويغسل كليتيه ثلاث مرات في الأسبوع، موضحاً أن المعارك وتعذر نقله إلى المشافي التي تحتوي على أجهزة غسل كلى، سبب له مضاعفات شديدة، وباتت حياته بخطر، نتيجة تجمع السوائل السامة في جسمه.

يشار إلى أن المعارك التي تشهدها محافظة درعا منذ أسبوعين، تسببت حتى الآن بمقتل عدد من الكوادر الطبية، ورجال الدفاع المدني، إضافة إلى مقتل العشرات من المواطنين، وإصابة المئات منهم بجروح متفاوتة الخطورة، نقل بعضهم إلى الأردن، بعد أن سمحت السلطات هناك بدخول الحالات الحرجة حصرياً.

ترك تعليق

التعليق