أحاديث لرمضان.. جنون وانتحار


على مقربة مني كانت سيدة فرنسية خمسينية، تتحدث مع نفسها بصوت مرتفع، ثم فجأة اتجهت إلى حاوية زبالة ورفعت غطائها وأخذت تشتم داخلها شخصاً ما، ، ليتضح فيما بعد أنه حبيبها الذي تركها من أجل فتاة أخرى..

كانت تقول له: "لقد لممتك من الشوارع.. أنا بحياتي ما أحببتك، ولكني كنت أعطف عليك يا ابن العاهرة ..".

أغلقت غطاء الحاوية وابتعدت عنها، وظلت تشتم وتسب بكلام غير مفهوم، ثم فجأة توقفت وعادت إلى الحاوية وفتحت غطاءها من جديد، وصرخت داخلها: "هل تذكر عندما أتيتني باكياً جاثياً على ركبتيك من أجل أن أسامحك.. لو أني كنت أحبك لما سامحتك، ولكني أشفقت عليك حتى لا تأكلك الكلاب.. يا سافل..".
 
لقد كررت هذه الحركة عدة مرات، لدرجة أنها استرعت انتباه كل من كان يمر بالشارع، حيث كانوا يتوقفون ويراقبونها دون أن يستطيعوا كتم ضحكاتهم، بينما أخذ أحدهم يصورها، فهجمت عليه بحقيبة يدها، ليفر من أمامها هارباً..
 
لسوء الحظ، أنها اختارتني وحدي من بين كل الذين تحلقوا حولها، لتشرح لي وتعيد ما كانت قد قالته داخل حاوية الزبالة.. ومن جهتي لم أكن أعرف ماذا أرد عليها، أو بماذا أجاملها.. فقلت لها: "هل أنت تعبانة.. هل أستطيع مساعدتك بالذهاب إلى المستشفى..؟"، فحدقت بي عن قرب، حتى كادت عيناها أن تلتصق بعيني.. ثم صرخت في وجهي: "هل تقصد أني مجنونة..؟"، ففررت من وجهها خشية أن تضربني بحقيبة يدها.. لأنها بدت متحفزة لفعل شيء من هذا القبيل.

مضيت بعيداً عنها، وكنت بين الفينة والأخرى، ألتفت إليها، بينما هي لازالت تقف بالقرب من حاوية الزبالة، وتفتح غطاءها وتتحدث وتلوح بيديها بنفس الطريقة.. ثم ما هي إلا لحظات، حتى سمعت صوت صرير مكابح سيارة ومن ثم صوت ارتطام.. وإذ هي وقد قررت الانتحار برمي نفسها أمام عجلات السيارة..

توقفت ونظرت من بعيد.. كانت ممددة على الأرض، بينما علا الصراخ حولها.. شاهدتهم يحملونها ويضعونها في سيارة، التي انطلقت مسرعة باتجاه المشفى..
 
كانت دقات قلبي تزداد سرعتها.. أطرقت قليلاً في الأرض، ثم نظرت إلى الأعلى.. كانت الشمس تتجه نحو الغروب.. فتذكرت أنه لم يبق لأذان المغرب سوى القليل ويجب أن أصل لبيت صديقي الذي دعاني على الإفطار.. لكن أي إفطار بعد هذا المشهد الفظيع..!، فأغلقت هاتفي وقررت العودة إلى البيت..

ترك تعليق

التعليق