"سكبة رمضان".. حاضرة في درعا، رغم الظروف الصعبة


على الرغم من الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها معظم السكان في الجنوب السوري، وما رافقها من تغير في عادات الطعام والشراب، إلا أن بعض الطقوس الرمضانية المتعلقة بالطعام، مازالت حاضرة في الكثير من المناطق المحررة.

وأشار الباحث في التراث محمود الأحمد، إلى أن "سكبة رمضان" أو "صحن رمضان"، يعد من أهم طقوس الطعام الرمضانية القديمة، التي توارثها الآباء عن الأجداد، وحافظ عليها الأبناء، عبر تاريخهم الطويل رغم كل المصاعب التي مروا بها.

وقال: "(سكبة رمضان) هي عبارة عن أطباق من الطعام أو الشراب، يتبادلها الجيران خلال شهر رمضان"، لافتاً إلى أن السكبة لا يقتصر تقديمها على الأغنياء للفقراء فحسب، بل يشارك في تقديمها معظم الجوار كل حسب مقدرته، كتقليد رمضاني، وطقس من أبرز طقوس الشهر الفضيل".

وأشار إلى أنه على الرغم من تراجع معظم الطقوس الرمضانية، بسبب الحرب، إلا أن الأهالي مازالوا يحافظون على هذه المفردة، لما لها من أهمية في قيم التواصل والتقارب، وإشاعة مشاعر المودة والرحمة والألفة في هذا الشهر الفضيل.

وأضاف أن "السكبة" لا تقتصر على النوعيات الجيدة من الطعام، الذي يتم تحضيره في المنازل، وتدخل فيه اللحوم، بل تشمل كل أنواع الطعام، بما فيها الحلويات الرمضانية والعصائر.

ولفت إلى أن "السكبة" تقدم عادة قبيل الإفطار بدقائق، لذلك تجد حركة نشطة للصغار والكبار، قبل الإفطار في الحارات، وهم يطرقون الأبواب، حاملين الصحون المليئة بمختلف أنواع الطعام، وأطيبها، تتخللها كلمات الترحيب والدعوات إلى المشاركة في تناول طعام الإفطار، إضافة إلى تبادل الدعاء، والتضرع إلى الله، بزيادة الخير والرزق لكل من يقدم الطعام.

ويشير الحاج قاسم الحسن، 70 عاماً، وهو مدرس متقاعد، إلى أن "سكبة رمضان" عادة قديمة موجودة في حوران منذ الأزل، معبراً عن اعتقاده بأن هذه العادة، هي من عادات أهل الشام، لكنها انتقلت إلى درعا، والى معظم المحافظات السورية، وأصبحت عادة رمضانية سورية بامتياز، وقد تكون أيضاً عادة عربية قديمة.

وأضاف أنه يتذكر، أن والدته كانت تُحمّله منذ أن كان صغيراً بعض الطعام إلى الأسر المجاورة، بما فيها الأهل والأقارب، وأنه منذ ذلك الحين يواظب على هذه العادة في شهر رمضان، لافتاً إلى أنه مهما أعد في منزله من طعام خلال شهر رمضان، ومهما كانت كميته ونوعه، فلابد وأن يرسل بعضاً منه إلى جيرانه.

وأشار إلى أنه هو الآخر، يتلقى أصنافاً مختلفة من الطعام، مما يحضره جيرانه، موضحاً أن موائد الكثير من الأسر، غالباً ما تكون عامرة بأصناف الطعام والشراب، رغم أنها تكون قد حضّرت صنفاً واحداً.

وأضاف أن شهر رمضان، شهر عبادة ومغفرة، وتسامح، غالباً ما يسعى الناس فيه إلى كسب الثواب، وعمل الخير، من خلال توطيد أواصر المحبة، وإغاثة المحتاج، مشيراً إلى أن التكافل الاجتماعي في هذا الشهر يتجلى في أبهى صوره.

ويقول المحامي سعيد القاسم: "صحيح أن الحرب التي تعيشها سوريا زادت من أعداد الفقراء والمحتاجين، وحدت من البذخ، ومن تحضير أصناف متعددة من الطعام، بسبب الظروف الاقتصادية السيئة الناجمة عن ارتفاع الأسعار وقلة المداخيل، لكنها لم تؤثر على الكثير من القيم الأخلاقية والسلوكية، والعادات والطقوس المتوارثة، باعتبارها خطاً أحمر، لا يمكن تجاوزه".

ولفت إلى أن معظم العائلات في محافظة درعا، باتت في ظل الحرب من مستوى اقتصادي واحد تقريباً معظمها عائلات فقيرة، تعتمد في مداخيلها على الزراعة والتجارة، وما يتم تحويله من مساعدات الأبناء والأقارب في بلاد اللجوء والاغتراب، مشيراً إلى أن هذه العائلات، تستشعر الخطر الذي يهدد مستقبلها ووجودها، لذلك تجدها متحابة، متعاونة، تتقاسم وجبة الطعام، ورغيف الخبز ليس في رمضان فحسب، بل في كل أوقات السنة تقريباً.

ترك تعليق

التعليق