ما بين الأجور القليلة وتأييد النظام.. كانت النتيجة، "دراما هابطة"


انعكست الثورة السورية منذ انطلاقتها على مختلف جوانب الحياة في سوريا، فلم يقتصر أثرها على الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل طالت أيضاً الفن بمختلف نواحيه ومجالاته.

ولم تكن الدراما السورية التي سطع نجمها بشكل كبير، قبل عام 2011 بمنأى عن هذه التطورات، بل شهدت السنوات القليلة الماضية تدهوراً كبيراً في الأعمال التلفزيونية الدرامية.

واعتبر معنيون في هذا المجال أن السبب الرئيسي لهذا التدهور وقوف عشرات الفنانين إلى جانب ثورة الشعب ومغادرتهم سوريا من جهة، ولتعويم بعض شركات الإنتاج المحسوبة على النظام الكثير من الوجوه الجديدة، وذلك بغية تعويض النقص الحاصل في الكوادر الفنية.

وليس هذا وحسب بل صدرت بعض شركات الإنتاج مؤخراً أنواعاً من الدراما الهابطة التي ارتكزت على نصوص فنية ضعيفة، ووجوه غير معروفة أو موهوبة فقط، لتأييد هؤلاء للنظام من ناحية، ولقلة الأجر الذي يتقاضونه من ناحية أخرى، الأمر الذي استقطب شركات الإنتاج التي تعاني من وضع مالي سيء في ظل الحالة الاقتصادية المتردية في عموم البلاد.

"نعمان حاج بكري"، ممثل تلفزيوني ومخرج مسرحي، قال في حديث لـ "اقتصاد": "قبل الثورة كانت أجور الفنانين تتفاوت تبعاً لتصنيف النجم (نجم أول، نجم ثاني، نجم ثالث....)"، مشيراً إلى أن بعض الفنانين كانوا يقبلون بأجور قليلة، فالأمر أشبه بالعرض والطلب، حسب وصفه.

ولفت إلى أنه "وقبل انطلاق الثورة السورية كانت الأجور جيدة نوعاً ما، إلا أنه وبعد انطلاق الثورة أصبحت شركات الإنتاج تبحث عن الفنانين الذين يقبلون بأجور رخيصة".

وضرب "بكري" مثالاً على ذلك "أنه وبالوقت الذي كان يتقاضى فيه الفنان 100 ألف ليرة قبل الثورة كان سعر الدولار حينها 50 ليرة، أما الآن يتقاضى الفنان 250 ألف ليرة وسعر صرف الدولار 500 ليرة، أي بفارق كبير"، معتبراً ذلك نوع من الاستغلال للعاملين في هذا المجال من قبل شركات الإنتاج.

وأضاف: "نتيجة مغادرة الكثير من الممثلين بدأ العاملون في هذا المجال يستقطبون العديد من الوجوه التي ليس لها علاقة بالدراما من قريب أو بعيد، لاسيما من أولئك الموالين للنظام الذين شاركوا وغنوا للنظام في المسيرات، حيث تم تحويل معظمهم لنجوم، ومنحوا العديد من الفرص".

وحمّل "نعمان حاج بكري" نقيب الفنانين في النقابة التابعة للنظام، زهير رمضان، المسؤولية عن ذلك. وأشار إلى أن "رمضان توجه لإظهار الكثير من هؤلاء على الشاشات التلفزيونية فقط لأنهم موالين للأسد بغض النظر عن الموهبة، واعتمد على من لديهم ميل فني ضعيف وضمهم للنقابة مثل (رامي كزعور) و(ماهر أحمد) وغيرهم".

وبطبيعة الحال يتقاضى هؤلاء الجدد أجوراً زهيدة، فلم يعد الدافع لدى العاملين بالدراما الرقي بالمستوى الفني بل تحول الهم الأول لهم الرغبة في العمل، والظهور كنجوم على الشاشات، وهذا ما حققه لهؤلاء زهير رمضان، وشركات الإنتاج التي جيرت كل قدراتها للدفاع عن النظام، وفقاً لـ "بكري".

وأردف المصدر: "النظام مستمر بتمويل الأعمال التلفزيونية التي تدافع عنه فقط، فلا يوجد أعمال درامية قوية حالياً"، مشيراً إلى أن هناك أعمال خارج سوريا يمكن أن يمر من خلالها عمل أو عملين متميزين ما بين الحين والآخر، أما الباقي فمتردٍّ.

وعزى ذلك إلى أن الكثير من الشركات العربية لا تقوم بتمويل الأعمال المعارضة، وتعتمد على مبدأ التوازن بين الموالين والمعارضين، وحتى في حال وجود عمل معارض تقوم تلك الشركات بإحضار ممثلين موالين للمشاركة فيه.

وعن توجه الكثير من الفنانين للعمل في الدراما المصرية قال "بكري": "مهنة الدراما مهنة محترمة في مصر أكثر مما هي عليه في سوريا، من ناحية احترام الممثل وحرفيته، واحترام الأجور لذلك يجد الممثل الراحة في الأعمال المصرية أكثر من السورية حالياً".

وختم بكري حديثه بعبارة "الحرية تنتج فناً والعبودية لا تنتج فناً، فالدراما المنتجة في سوريا بوضعها الحالي لا مستقبل لها، نظراً لتوجهها لتلميع صورة الأسد، ومهاجمة الثورة وتمييع فكرة الحرية، إلا أنه وبعد سقوط النظام سيكون للدراما مستقبل هام جداً، وذلك نظراً لوجود المواضيع والحرية، إضافة لعودة الكثير من النجوم إلى داخل البلاد، وقد تضاهي عند ذلك الدراما السورية، نظيراتها على مستوى العالم".

من جانبه، "أحمد زكريا"، صحفي سوري تحدث لـ "اقتصاد" عن مشاركة وصفها بالخجولة في مجال الدراما، اقتصرت على مشاركتين فقط، هما دور ثانوي في مسلسل "الغلطة وين"، للمخرج عماد سيف الدين، ومسلسل "وادي السايح" للمخرج محمد بدرخان.

وأكد "زكريا" أنه حاول جاهداً دخول هذا المجال إلا أن العقبة دائماً كانت شروط العمل من ناحية الحصول على بطاقة من نقابة الفنانين، أو أن يكون الممثل خريج المعهد العالي للفنون المسرحية أو المحسوبيات والواسطات، وهذا الأمر كان صعباً بالنسبة له، فاقتصرت المشاركة فقط على هاتين التجربتين، وهنا الحديث عن فترة قبل انطلاق الثورة السورية.

ولفت زكريا إلى أن "مسؤولية تحديد الأجر كانت تقع على عاتق مدير الإنتاج وقسم الإنتاج الذين يتبعون للشركة المنتجة للعمل، وحينها لم تكن الأجور التي تقاضاها لقاء مشاركته في تلك التجارب ذات قيمة كبيرة، بل كانت عبارة عن أجور زهيدة جداً".

وعن تجربته الخاصة في مسلسل "الغلطة وين" قال: "شاركت في إحدى الحلقات بمشهد واحد، ودفعوا لي مبلغاً وقدره 1000 ليرة سورية فقط، ومن بعدها شاركت في حلقة كاملة ومشاهد كثيرة إلى جانب الممثل أندريه سكاف، وكان عنوان الحلقة الجاحظ، وكنت أنا مرافق الجاحظ، ولكن الشركة وقتها لم تدفع لي أجور تلك الحلقة التي تضمنت مشاهد عديدة من دون أن أعرف السبب رغم أنني اتصلت بهم كثيراً في ذاك الوقت"، وذلك في إشارة إلى بعض أنواع الاستغلال التي تمارسها شركات الإنتاج بحق الممثلين العاديين.

واعتبر "زكريا" أن "الدراما السورية في تراجع بعد أن كانت في ذروتها قبل عام 2011"، لافتاً إلى أنها في وضعها الحالي تصنف في المراتب المتدنية لأسباب عدة منها (مواضيع مستهلكة، تصوير لما هو بعيد عن الواقع، تشويه للحقائق، غياب الكوميديا الهادفة... الخ)، إضافة لغياب بعض شركات الإنتاج التي نقلت أعمالها لخارج سوريا، وكذلك لهجرة الممثلين باتجاه مصر ولبنان ودبي، بسبب الأجور الجيدة التي تدفع لهم، وتوفر فرص أوسع نتيجة كثرة المخرجين وشركات الإنتاج.

ترك تعليق

التعليق