أحاديث لرمضان.. مسلسل أرض النفاق لـ "محمد هنيدي"


تعرفت على رواية "أرض النفاق" ليوسف السباعي أول مرة في العام 1989، حيث أخبرني أحد الأصدقاء عن قصتها، فخرجت على غير وعي أبحث عنها في مكتبات حلب، إلى أن عثرت عليها بمبلغ 70 ليرة سورية، وما أكبره من مبلغ في ذلك الوقت..

 والأهم من كل ذلك هو تجربة قراءتها، إذ أنني كنت "أكركر" من الضحك دون إرادتي وأنا ألتهم الصفحات، وخرجت من التجربة وأنا على يقين أنني ضحكت بمبلغ يفوق بشكل أكيد أهمية الـ 70 ليرة التي دفعتها..
 
الخسارة حدثت بعد ذلك، عندما قررت أن أبحث عن مؤلفات يوسف السباعي، طمعاً في الحصول على نفس الإحساس، فاشتريت "السقا مات" و "نادية" و "إني راحلة" و "إثنا عشر رجلاً" و "نحن لا نزرع الشوك".. فاكتشفت أن من كتب أرض النفاق لا يمكن أن يكون هو ذاته صاحب هذه المؤلفات.. لقد كان كل شيء مختلفاً، وأستطيع أن أقول أن أدب يوسف السباعي، ينقسم إلى قسمين: في العهد الملكي، وهو الذي أبدع فيه بكتابة "أرض النفاق" في العام 1949، أما القسم الثاني، بعد ثورة يوليو عام 1952، إذ كان ضابطاً ومحسوباً على حركة الضباط الأحرار، وتولى العديد من المناصب العسكرية والثقافية، كان آخرها وزيراً للثقافة من العام 1973 وحتى العام 1978، عندما تم اغتياله في قبرص على خلفية تأييده للصلح مع إسرائيل، ومرافقته للسادات في زيارته لتل أبيب في العام 1977.

في الفترة الثانية بعد ثورة يوليو، كتب السباعي أعمالاً كثيرة، وكان يوصف بأنه الأغزر إنتاجاً بين الكتاب المصريين، حيث كان يكتب في العام الواحد ثلاث روايات ومجموعة قصصية، هذا عدا عن المقالات الكثيرة في جريدة الأهرام التي كان يتولى مجلس إدارتها..

وبسبب موقعه في السلطة استطاع تحويل الكثير من رواياته إلى أعمال سينمائية، كما أنه حصل على كل الجوائز الأدبية والتقديرية في بلده، دون أن يتجرأ أحد على نقده، بل كان الكل يكيل المديح له، بما فيهم طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمد مندور وبنت الشاطئ ويوسف إدريس، وهو أمر استمر حتى يومنا هذا، إذ لم يبادر أي من النقاد المصريين لتقييم هذا الإنتاج الأدبي الكبير ليوسف السباعي، مع أن هناك الكثير من الملاحظات عليه، أقلها امتلاء رواياته بالأخطاء اللغوية والنحوية الفادحة والتي لا يمكن أن يقع بها حامل للشهادة الإعدادية، ناهيك عن الضعف الفني في أعماله والذي لا يمكن مقارنته على الإطلاق بأدباء تلك المرحلة، أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس.. وكل ذلك يبرره النقاد بأنه يكفيه فخراً أنه صاحب رواية "أرض النفاق" أو لو أنه لم يكتب غيرها.. فما قصة هذه الرواية التي تجعل الدراما تحولها إلى عمل تلفزيوني في رمضان لهذا العام، بعد مرور سبعين عاماً على إصدارها..؟

تقوم فكرة الرواية على قصة شخص، يعثر صدفة على محل يبيع حبوباً للشجاعة والعفة والتضحية والنزاهة، أي محل لبيع الأخلاق، فيدخل إلى المحل ويشتري في كل مرة حبة لأحد هذه الخصال، ثم ينقلنا الكاتب بلغة كوميدية كاريكاتورية، إلى حال هذا الشخص في المجتمع بعد أن يتناول الحبة، والمواقف الطريفة والتناقضات والصراعات التي يواجهها مع محيطه..
 
أما المسلسل التلفزيوني، الذي يقوم ببطولته نجم الكوميديا محمد هنيدي، فهو يحافظ على روح الفكرة، لكنه يطورها ويختلق أحداثاً جديدة، بحيث يزيد من عدد الحبوب التي يتناولها هذا الشخص، في إشارة إلى قيم أخرى فقدها المجتمع بالإضافة إلى تلك التي تحدث عنها يوسف السباعي في الأربعينيات من القرن الماضي.. وهو ما يعطي الرواية بعداً أسطورياً، يجعلها قريبة الشبه بألف ليلة وليلة، التي استثمرت الدراما فكرتها العامة، ومن ثم وظفتها في تقديم قصص معاصرة تختلف عن تلك الموجودة في ثنايا السيرة.

إلى هذا الحد، يمكن اعتبار أرض النفاق، بأنها استكمال للأدب العربي الشعبي الخالد.. وأظن أن النقاد المصريين كانوا على حق عندما تغاضوا عن كل هفوات يوسف السباعي الأدبية والسياسية، احتراماً لهذه الرواية.

ترك تعليق

التعليق