سيرة مدفع رمضان في تلكلخ.. كيف تحول إلى مصدر للرعب؟


يبدأ "أبو حسن" حديثه وكل كلماته حماسة، ولا تخلو عيناه من لمعة السعادة الممزوجة بالشوق لأيام مضت، خلال تذكره لعادات رمضان في مدينة "تلكلخ" - الواقعة في ريف حمص الغربي-.

 يبدأ "أبو حسن" حديثه: "منذ كنا صغاراً كانت العادة هي إطلاق عدة قذائف /صوتية/ من مدفع وضع على جبل البرج، وذلك ليلة إثبات حلول شهر رمضان المبارك، وكانت تترافق معه إطلاق العديد من الألعاب النارية والمفرقعات من قبل الشباب ابتهاجاً وترحيباً بالشهر الكريم، فتشتعل المدينة بالبهجة والسرور، وتتبادل الناس فرحاً عبارة /ضرب المدفع ثبت رمضان/، وتبدأ مباركات الناس لبعضها بحلول شهر رمضان، ويسارع الرجال إلى الجوامع لتأدية صلاة التراويح في أول ليلة".

يتابع "أبو حسن": "عند السحور كان يطلق المدفع أيضاً طلقة صوتية واحدة إيذاناً بأن وقت السحور قد حان، فكنا لا نستيقظ من نومنا إلا عندما نسمع صوت المدفع، في حين كانت الأمهات تنادين لأبنائهن /يالله فيقوا عالسحور ضرب المدفع/. وعند وقت الفطور كان يقف جميع أبناء الجيران في الحارة في آخر نصف ساعة قبل الإفطار ينتظرون صوت المدفع ليهرع الجميع مسرعاً إلى المنزل مرددين /ضرب المدفع.. ضرب المدفع/، ليبدأ الجميع بالإفطار".
 
صوت المدفع يطغى

ويتابع صديق عمره "أبو محمد": "كان الإفطار لدينا مرتبطاً بصوت المدفع حتى أننا نسينا أنه يجب أن نبدأ بالإفطار عند انطلاق صوت الأذان فكان كل تفكيرنا الطفولي البسيط مرتبط بصوت المدفع، وعند انتهاء شهر رمضان وقدوم عيد الفطر كانوا يطلقون عدة قذائف صوتية من المدفع ترحيباً بقدوم العيد، مع أصوات ضربات المدفع كانت ترتعش قلوبنا فرحاً فقد بشرّنا صوت المدفع بقدوم العيد وتبدأ أيضاً الألعاب النارية تملأ سماء المدينة وأصوات المفرقعات تهز أرجائها ابتهاجاً".

غياب مدفع رمضان.. وحضور مدفع النظام القاتل

استمرت هذه الأجواء في مدينة "تلكلخ" حتى بدأت الثورة فيها، فغابت بهجة رمضان ولكن لم يغب صوت المدفع، حتى بلغت الأحداث أشدها في رمضان 2011، وصارت قوى النظام و"شبيحته" من القرى المجاورة لا يحلو لهم قصف مدينة تلكلخ إلا أثناء وقت الإفطار، "فكانت القذائف تتساقط علينا من كل حدب وصوب، وأصوات مدافع الحقد القاتل تطغى في المدينة في لحظات سكون الإفطار، في وقت كان يجب أن لا نسمع فيه سوى /قرقعات الملاعق والصحون/، لم نكن نسمع سوى أصوات المدفعيات وقذائف الهاون التي كانت تتساقط على بيوتنا من كل مكان، وخاصة من مدفع قاتل حل مكان مدفع رمضان في جبل البرج".

 يتابع "محمد"، الشاب العشريني الذي اضطر للنزوح من تلكلخ: "بدال أن ننتظر صوت المدفع صرنا نغلق آذاننا عنه، صوت حولوا فرحة أطفالنا به، إلى حالة رعب وخوف وهلع".

"سُلمت بعدها مدينة تلكلخ للنظام وشبيحته، فغابت من يومها عن رمضانها الطقوس الرمضانية التي اعتدنا، وغاب معها صوت المدفع".

من طقوس رمضان في تلكلخ

 ومن الطقوس الرمضانية في مدينة "تلكلخ" قبل الثورة، زيارة الأقارب والعائلات التي لديها شخص متوفي لمواساتهم، حيث يتم الذهاب إلى الجامع لتأدية صلاة التراويح "الرجال والنساء"، وبعد انتهاء الصلاة تتوجه النساء لتأدية واجب زيارة أو عزاء، أما الرجال فتجتمع كل مجموعة من الرجال في "منزول" (وهو مكان مخصص لاجتماع الرجال يضيف فيه القهوة المرة) أو أمام أحد المحلات ويتبادلون الأحاديث.

رمضان بعد سيطرة النظام

 أما خلال "ثورة تلكلخ"، تراجعت أعداد المتوجهين لتأدية صلاة التراويح خوفاً من الاعتقال، فأصبح الرجال، ممن تبقى في مدينة تلكلخ ولم يهجرها، يلتزم المنزل، فمن كان وقتها يؤدي الصلوات في المسجد تقام عنه دراسة أمنية، ويصبح في عداد المطلوبين، واستمرت بعض النساء في تأدية زيارة العزاء والمواساة لأهالي شهداء الثورة.

 وبعد أن أصبحت تلكلخ بيد قوى النظام وشبيحته، أبقت قوى أمن النظام على "مشايخ" الجوامع المؤيدين له، وعادت صلاة التراويح إلى الجوامع ولكن بأدعية داعمة للأسد حيث "يتباكى" بعض شيوخ" تلكلخ" وتدمع عيونهم أثناء الدعاء لقائد الأمة كما يسمونه، وعادت الطقوس الرمضانية ولكن غاب عنها غالبية أهالي تلكلخ الذين أصبحوا مهجرين وحل مكانهم نازحين أتوا من مناطق وقرى مختلفة ولكل منهم طقوسه الخاصة.

ترك تعليق

التعليق