كيف ظهرت إرادة الحياة في أوساط المُهجّرين بمخيم "دير بلوط"؟


يبدأ المُهجّر القاطن في "مخيم دير بلوط" بـ "منطقة جنديرس - عفرين" في "شمال المقهورين"، يومه، بدرس رياضة صباحي "هرولةً" تبدأ من خيمته وصولاً لـ "كرافانات الحمامات" ذهاباً وإياباً، ثُمّ يُحاول جاهداً استكمال غفوته مُصارعاً ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الذباب الذي يستسلم أمامه لينتقل مُضطّراً إلى ترتيب خيمته واستقبال ضيوفه والاستضافة عند أصدقائه مروراً بالجلوس تحت شجر الرمان والزيتون قرب المخيم في فترة الظهيرة، وصولاً إلى السباحة في النهر القريب من المُخيم عصراً، إلى أن يحل المساء ليلتزم المُهجّرون خيامهم، حالمين بغدٍ أفضل.

"أبو جواد"، مُهجّر من "مخيم اليرموك" قال لـ "اقتصاد" إنّ "مخيم دير بلوط" أشبه بمدينة صغيرة وتجمع سكني يتحمّل بعض المشاريع الصغيرة كـ "تجارة المُستلزمات الرئيسية" التي يحتاجها قاطنو المخيم.

وأضاف أبو جواد أنّ قاطني المخيم يُعانون تناقصاً في المساعدات الغذائية، إذ أنّ "المُنظّمة المُديرة" تمنع "المُنظّمات الإنسانية الأخرى" من تقديم المُساعدات للمُهجّرين داخل المُخيم مما دفع إحدى المُنظمات للاحتيال على هذا الأمر عبر توزيع صناديق الإغاثة الغذائية في مدينة "أطمة" الواقعة في "ريف إدلب"، وتأمين وصولها للمخيم بشكل فردي.
 
وأردف "أبو جواد": "بعد وصول المُهجّرين إلى المخيم تعرّضوا لمفاجآت عديدة أهمّها حجم المساعدة الغذائية اليومية والتي تحتوي (4 علب فاصولياء وربطتين خبز وبسكويت)، إلّا أنّه ومع دخول شهر رمضان كثّفت مُنظّمة "afad" من الصناديق الغذائية والصحيّة لتصنع توازناً نوعاً ما بات مقبولاً إن استثنينا الشح في مياه الشرب والغسيل".

بالإضافة لحياة الخيام، واقعٌ جديدٌ يُفرض على المُهجّرين، شحٌ في المياه، كرفانات استحمام جماعية، أقرب مدينة للمخيم تبعد أكثر من 5 كيلو متر، الأمر الذي دفع بعضهم إلى التفكير السريع بمحاولة الاستمرار في الحياة رغم كُل الظروف السلبية واستثمار وقت تواجده في المخيم عبر البحث عن عمل وتجارة صغيرة تسد الرمق وتنقله من الاستهلاك والإنفاق إلى الإنتاج بشكل مبدئي، إلى أن تسنح له الفرصة بالاستقرار في مدينةٍ ما.

"محمد" يبلغ من عمره 24 عاماً، يمتهن تصليح كهرباء السيارات، ويعمل حالياً في المخيم بائع مواد غذائية، قال لـ "اقتصاد": "على المؤسسات الإنسانية إنقاذ المُهجرين قسرياً عبر المشاريع الصغيرة وتقديم التسهيلات لذلك".

وأردف محمد أنّه بعد وصوله لـ "مخيم دير بلوط" منذ عشرين يوماً أدرك حجم المُعاناة التي سيتعرض لها بسبب بُعد المخيم عن المّدن لذلك قرر فوراً العمل في بيع المواد الغذائية وتطّور عمله بشكل تلقائي، وأصبح لديه "مولدة كهرباء" يستخدمها في شحن البطاريات وتبريد مشروبات الكولا والعصير بالإضافة لاعتماده نقطة لتصريف العملات الأجنبية، كما أصبح لدى "محمد" عامل يعتمد عليه أثناء تسوّق البضائع من الأسواق وبائعي الجملة.

بائع آخر، اختص في تجارة الخضار والفواكه فقط. يقول السيد "فواز الأحمد" لـ "اقتصاد"، إنّه متزوج ولديه أربعة أطفال ولا يملك الخيارات، فحياته في المخيم على ما يبدو ستكون طويلة، لذا كان لا بُدّ من تأمين عمل يسد رمق العائلة ولو بشكل بسيط خصوصاً وأنّ مصاريف الأطفال الأربعة لا تنتهي.

وعن رأس المال الذي انطلق منه الأحمد أكّد أنه لم يتجاوز 300 دولار أمريكي، وحتى الآن لا يُحقّق أرباحاً كبيرة، إلّا أنّه في ذات الوقت يُنفق من أرباح تجارته دون نقصان رأس المال.

الشاب "سعيد"، الحلاق، أشار لـ "اقتصاد" أنّ تكلفة "محل الحلاقة الرجالية" في الأحوال العاديّة قد تتجاوز 1000 دولار أمريكي بالإضافة لإيجار المحل، وفي المخيم لم يتكلف سوى سعر المقصّات والمشط والمرايا، ويعمل داخل خيمته، كما يُحاول جاهداً عدم رفع تسعيرة الحلاقة وخصوصاً أمام الأطفال.

وأضاف الحلاق: "لم تستطيع عصابات الأسد عبر حصار سنوات من قتل أرواح الثائرين الّذين هُجّروا فيما بعد وقطنوا الخيام مُرغمين، وما زالوا يمتلكون همّة التغلب على صعوبات وتحدّيات الحياة، كما ولا زالوا قادرين على التأقلم مع ظروف أصعب مما تعرضوا له من حصار وقصف وحرمان، لذا هم يستحقون الحياة، وبالتالي يستحقّون دعم المُنظّمات الإنسانية لهم ليتجاوزا ما هم عليه".

يعيش في مخيم "دير بلوط" الذي تُديره مُنظمة "afad" حوالي 9 آلاف مُهجّر يتقاسمون 3 آلاف خيمة، منهم المهجرون قسرياً من منطقة جنوب دمشق "أحياء الحجر الأسود والعسالي والتضامن وبلدات يلدا وببيلا وبيت سحم ومخيم اليرموك"، ومنهم من سبقهم في رحلة التهجير من أبناء "القلمون الشرقي"، وجميعهم فضلوا مُغادرة مناطقهم على أن يخضعوا لمشاريع التسوية والمُصالحة مع عصابات الأسد الإجرامية والميليشيات الطائفية المُساندة له.

وحتّى الّلحظة توفّي في المخيم طفلٌ وُجد غريقاً في نهر بقرب المخيم بعد فقدانه ليومين وهو مُصاب بمرض التوحّد، ورجل في عمر الخمسين توفّي غرقاً بعد إنقاذه شابين كانا يتعرضان للغرق، واثنين آخرين توفّيا إثر نوبات قلبية حادّة، بينما شهد المُهجرون في المخيم ثلاثة عقود قران.

وعلى الرغم من فقدان الكثير من المُهجّرين لمنازلهم وممتلكاتهم وأعمالهم ومناطقهم إلّا أنّ إصرارهم على الحياة يجعل من المستحيل أمراً قابلاً للتحقق بدايته مشاريع صغيرة تحمل في طيّاتها أملاً يُساعدهم في نسيان سنوات حصارٍ طويلة، وعاملاً يُوفر لهم تأمين احتياجاتهم اليوميّة.

ترك تعليق

التعليق