أزعجت النظام.. مبادرات شبابية للعمل الخيري بعقلية مختلفة في السويداء


شهدت محافظة السويداء في السنوات الأخيرة تطوراً بالمجتمع الأهلي على مستوى العناصر الشبابية، وتمثل هذا التطور بالخروج عن فكر العمل الخيري المعتمد على تبرعات بعض المغتربين، ومساعدة بعض المحتاجين إلى مشاريع تعاونية شكلت، على الرغم من صغر حجمها وإمكانياتها، نقلة نوعية بتطور الفهم العام لضرورة العمل التعاوني.

وتبلور هذا التطور بإطلاق مبادرات شبابية بعيدة عن الحالات القديمة المحصورة بالعمل الخيري، والملزم بجمعيات خيرية واهية.

وجاءت المبادرات على شكل عمل تعاوني متفاوت الحجم بدءاً من حالات صغيرة كمبادرة أهلية لجمع الخضار والمواد الغذائية والألبسة وتدويرها على المحتاجين، وصولاً لمجموعة أخرى قامت ببناء فرن صغير (صاج) ينتج الخبز ويوزع بسعر التكلفة على الأهالي، إلى أن وصلت لمشاريع تعاونية على مستوى بعض البلدات.

مبادرات شبابية

أفاد "سامي مراد"، ناشط من السويداء، أن أهم مجموعات النشاط الشبابي بدأت العمل في إحدى بلدات المحافظة بالريف الغربي.

وأضاف في حديث لـ "اقتصاد": "هذه المجموعة التطوعية قامت بداية بالتعاطي مع بعض القضايا الخطيرة والملحة في المجتمع مثل ظاهرة تعاطي المخدرات"، لافتاً إلى أنه كان لهذه المجموعة دور فعال في الحد من هذه الظاهرة في محيطها، وذلك عبر ندوات التوعية والمتابعة الحثيثة لحالات التعاطي، بالإضافة للعمل على الحد من عدد كبير من العادات السلبية في المجتمع.

وتابع "مراد" أنه ومع تطور عمل هذه المجموعة أقيم أول مشروع تعاوني اقتصادي على مستوى المحافظة، وتمثل بتعاونية استهلاكية يتم فيها بيع المواد الاستهلاكية والخضار بسعر التكلفة ودون أي هامش ربحي.

وأردف أن هذا المشروع جاء عبر دعوة الأهالي جميعاً للتعاون في إنشائه عن طريق التبرع بمبالغ صغيرة تبدأ من 1000 ليرة سورية وأكثر قليلاً، ودون الاستعانة بأي جهات أو منظمات أو أشخاص من خارج البلدة، مشيراً إلى أن هذا المشروع أقيم بنجاح.

ولفت "مراد" إلى أنه "وبعد نجاح عمل التعاونية الاستهلاكية ومن خلال متابعة حاجة السوق تم إنشاء مشروع لصناعة مواد التنظيف، وتمت الاستعانة بأحد الخبرات من أبناء البلدة في هذا المجال، وبرأس مال قليل لم يتجاوز (25000) ألف ليرة سورية".

وتابع: "صنعت مواد التنظيف مثل سائل الجلي والشامبو، وتم تقديم المنتج بسعر التكلفة حيث وصل سعر الكيلو الواحد من سائل الجلي لـ (120) ليرة سورية، وبجودة عالية تضاهي جودة المنتج الموجود في الأسواق، والذي يصل سعره لـ (400) ليرة سورية".


معوقات أمنية

أكد "مروان أبو عسلي"، أحد القائمين على إحدى المبادرات الشبابية، بأن مجموعات النشاط الشبابي والمشاريع التعاونية والمبادرات الأهلية تعرضوا للكثير من المضايقات والمحاربة من قبل أجهزة السلطة، وذلك لأن الحالات التعاونية والأهلية تخرج الناس من تحت عباءة السلطة وهيئاتها.

وأشار "أبو عسلي" إلى أن "هذه المبادرات ساهمت بنشوء فكر مجتمعي يبعد الناس عن التبعية العمياء، وخصوصاً عندما بدأت هذه المجموعات بالتطور لتصبح مجموعات ضغط أهلية على مؤسسات الدولة مثل البلديات والأفران، وبدأت بذلك تدخل في قضايا تمس أجهزة النظام"، حسب تعبيره.

وعن المعوقات التي واجهت تلك المشاريع قال "أبو عسلي" في حديث لـ "اقتصاد": "لم يكن هناك معوقات من الأهالي لهذه المشاريع والمبادرات إلا القليل من الأشخاص المتضررين من المشاريع الاقتصادية من الذين يعملون في المجال ذاته".

واعتبر أن "المعوقات جاءت من أجهزة النظام عبر فرقها الحزبية بمحاولات مستمرة لتعطيل العمل عبر بث إشاعات من شأنها زعزعة الثقة بين الأهالي، وتهديد الموظفين الحكوميين المساهمين في هذه المبادرات بأن هكذا أعمال تؤثر سلباً على مستقبلهم الوظيفي".

فائدة مدنية

لم تتوقف الفائدة من إنشاء هكذا مشاريع على الناحية الاقتصادية فقط، وفقاً لـ "غاندي الشوفي"، ناشط تابع آلية عمل هذه المشاريع في السويداء عن قرب.

وقال "الشوفي"، في حديث لـ "اقتصاد": "تمكن المواطن عبر هذه المشاريع من توفير ما يزيد على (10) آلاف ليرة سورية في حال استجر مواده الاستهلاكية من التعاونيات، وذلك بعد حسم (20) % وهو الهامش الربحي الموضوع على المواد الغذائية، والخضار، ومواد التنظيف في السوق خارج التعاونيات".

وأكد "الشوفي" على أن "الفائدة تتجاوز ذلك وترقى لبناء فكر تعاوني يستطيع الأهالي من خلاله الاعتماد على أنفسهم في إدارة مواردهم وإمكانياتهم، ولوحظت هذه الحالة في عدة مواقف حيث اشترى عدد من الأهالي كميات من الخضار أقل من حاجتهم، لترك المجال لآخرين للاستفادة من فرق السعر في التعاونيات".

ترك تعليق

التعليق