من خلال "أشباله".. تنظيم الدولة في جنوبي دمشق، يحصد ما زرع


قدّم تنظيم الدولة في مناطق سيطرته "جنوبي دمشق" منذ نشأته وتوسّعه، راتباً شهرياً قيمته 100 دولار أمريكي، لكلّ مُقاتلٍ و40 دولار لزوجته و35 دولار لكلّ طفلٍ من أبناءه و35 دولار أخرى بدلاً للطعام، إضافةً لبعض الخدمات الموسميّة كمصاريف التدفئة والألبسة والأعياد وشهر رمضان بشكلٍ غير مُنتظم، مع مُراعاة الظروف التي يتعرض لها من حصار يشتد تارةً ويُفكّ نسبياً تارةً أخرى ومعارك بين الفينة والأخرى مع هيئة تحرير الشام المُحاصرة من التنظيم والنظام في "حي الريجة غربي مخيم اليرموك"، وقوات المقاومة التي تُسيطر على "بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم"، وعصابات الدفاع الوطني التي تُسيطر على أجزاء واسعة من حي التضامن، وميليشيا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" المُتمركزة في مدخل مخيم اليرموك.

وبحسب مصادر أهلية في مخيم اليرموك كانت قد حدّثت "اقتصاد" سابقاً عن عمليات تمويل التنظيم، فقد أكّدت مُجدّداً أنّه في جنوب دمشق كان يعتمد على ما يجنيه نظرائه من أرباح في بيع النفط وعمليات التهريب في المنطقة الشرقية والقلمون ليتم تمويله بها، ومع انحسار مناطق سيطرته في سوريا والعراق قلّص فرع التنظيم في جنوب دمشق الرواتب على عناصره منذ حوالي العام وأبقى على بدل الطعام الشهري البالغ 35 دولار أمريكي لا أكثر، ليستأنف قبل ثلاثة شهور مُقدّماً كُل ما ترتّب عليه لعناصره، في مؤشرٍ خطيرٍ لإعادة توظيف التنظيم في آخر جيوبه بريف دمشق الملاصق مُباشرةً للعاصمة لغاية تحقيق أجندات سياسية جديدة قد لا تقل خطراً عن ما جرى في الموصل والرقّة والكثير من المناطق السورية ذات السيناريو ذاته.

وأضافت المصادر أنّ لدى التنظيم خلايا تقوم ببيع النحاس والمواد الكهربائية المنزلية لنظام الأسد، ويندرج ضمن شروطها إخراج مُصابي التنظيم للعلاج في "مُستشفى المهايني الخاصّ وسط حي الميدان"، وذلك في محاولة منه لتأمين اكتفاء ذاتي مرحلي يُخفّف عنه الأعباء الاقتصادية الطارئة في أكثر مرحلة حرجة يتعرض لها منذ نشوءه بالمنطقة، وكامتداد طبيعي لما تؤول إليه مجريات الأمور في دمشق وريفها لا سيما الأحداث الأخيرة في الغوطة الشرقية والقلمون.

والّلافت للانتباه مؤخراً أنّ عمليات خروج إفرادي شهدتها مناطق التنظيم في الشهور الستة الأخيرة، حيث خرج حوالي 300 عنصراً بينهم أمراء صف أول وثاني باتجاه الشمال السوري ومن ثُمّ لمناطق مجهولة بالتنسيق مع مافيات تابعة للنظام مُقابل مبلغ 4300 دولار أمريكي عن كُل شخص، بالإضافة لالتزام حوالي 300 مُقاتل منازلهم، وهذا ما أضعف التنظيم من الجانب المعنوي، ليضّطر إلى استجماع قواه عبر استثمار أشباله الذين تعب عليهم طيلة ثلاث سنوات منذ إعلانه الأول منع تدريس أبناء مُقاتليه في مدارس غير مدارس التنظيم وبإشراف مُدرّسين غير مُختصّين تربوياً بقدر تخصصهم في زرع الأحقاد ونزع قلوب الأطفال غارسين مكانها ضغينةً لا يُمكن وصفها.

 ويُقدّر عدد الأطفال المنطويين تحت أوامر التنظيم 300 طفل يعملون في كافة الجوانب العسكرية والأمنية واللوجستية، ويُسمّونهم كما في مناطق سيطرتهم الأخرى بـ "أشبال الخلافة".
   
أحد المُعتقلين السابقين في "النقطة الرابعة" لدى التنظيم وهو سجن معروف باختصاصه في مُحاكمة "المُرتدين" حسب وصف التنظيم، قال لـ "اقتصاد" إنّ عناصر الحسبة كانوا بين الفينة والأخرى يُدخلون إلى السجن أطفالاً صغاراً في عمر الـ 15 عاماً ليقوموا بتعذيب المُعتقلين الكبار في السن، وغالباً ما كان الأطفال بين زيارةٍ وأخرى يبتكرون وسائل تعذيب جديدة يندهش منها عناصر الحسبة أنفسهم.

مصادر أخرى في "مدينة الحجر الأسود" المعقل الرئيسي للتنظيم أكّدت لـ "اقتصاد" أنّ التنظيم استخدم الأطفال ما دون سن الـ 18 في الكثير من العمليات العسكرية خلال العام المُنقضي، بدءاً من معاركه ضد مُقاتلي هيئة تحرير الشام التي استطاع تحجيم سيطرتها لمساحة لا تتجاوز الـ 8 كيلو متر مربع ومروراً بمعركة التضامن التي حصل فيها على قاذف صواريخ موجّه استخدمه في معاركه ضد فصائل المقاومة في "حي الزين" الفاصل بين بلدة "يلدا" و"مدينة الحجر الأسود" وصولاً إلى معركته الأخيرة منذ شهر والتي اقتنصها أثناء خروج ثوار منطقة القدم الدمشقي من "حي المادنية" باتجاه الشمال السوري، وكبّد النظام خلالها أكثر من 100 قتيل، فارضاً سيطرته على كامل الحي، كما اعتقل 13 عنصراً أحياء، وأخرج ثمانية نساء من مُعتقلات الأسد الأمنية مقابل الجثامين المحجوزين لديه.

حديثاً شنّت قوات الأسد والميليشيات المُساندة لها عصر يوم الخميس الفائت هجوماً واسعاً شاملاً كافة مناطق التنظيم في آخر جيوبه بالعاصمة دمشق وريفها تحت غطاء الطيران الحربي والمروحي وقصف صاروخي ومدفعي عنيف، ذلك بعد فشل المفاوضات الجارية بين نظام الأسد وتنظيم الدولة والتي كانت ترمي إلى إبعاد الأخير باتجاه البادية الشرقية لمحافظة السويداء، دون إحراز أي تغيير حتى الآن في خارطة السيطرة بسبب عجز قوات النظام عن الاقتحام الميداني نتيجةً للمقاومة الشديدة التي يتلقاها من مُقاتلي التنظيم وتحديداً "أشبال الخلافة" الذين تلقّوا في آخر ثلاثة شهور رواتب لمدة تسعة شهور مُقبلة، وهم كانوا قد نشؤوا بين أحضان الشرعيين المُصنّعين للقنابل الموقوتة ومُحترفي استخدامها في الوقت المُناسب لدرجة فرضهم تغيير الخطط الموضوعة للاقتحام بين اللحظة واللحظة من قبل قوات النظام والميليشيات المُساندة له.

ترك تعليق

التعليق