بالصور: حرفي سوري يصنّع خناجر شامية في الأردن
- بواسطة فارس الرفاعي- خاص - اقتصاد --
- 19 نيسان 2018 --
- 0 تعليقات
في محله الصغير بالقرب من سوق الحسبة بمدينة المفرق (شمال الأردن)، وعلى دكة خشبية، يجلس اللاجىء السوري، "محمود عبارة"، منشغلاً بإدخال نصلة خنجر في مقبضها الخشبي بعد أن أنجز مراحل تصنيعه الأخرى، وهي المهنة التراثية التي ورثها عن أبيه وأجداده منذ عشرات السنين، وأعاد إحياءها لتكون مصدر رزق له في ظروف اللجوء الصعبة.
ورافقت صناعة الخناجر حاجة الإنسان إلى سلاح يدافع به عن نفسه في زمن لم تكن فيه الأسلحة المعروفة اليوم قد ظهرت.
وبقيت مدينة حمص التي ينحدر منها عبارة تفاخر لوقت طويل مثل "دمشق"، بما يُصنع فيها من السيوف والخناجر والرماح المحلاَّة البراقة والمزخرفة التي تكتب عليها آيات وأشعار بماء الذهب، لكن أهم أعمال طرق الحديد التي عرفتها هذه المدينة تلك التي كانت تنتج الأسلحة التقليدية القديمة ومنها السيوف والخناجر والشبريّات.
وكانت صناعة الخناجر في الماضي كما يقول عبارة لـ"اقتصاد" سلعة رائجة في هذه المدينة لكونها قطعة أساسية يحملها الرجل للزينة أو للاحتراز من اللصوص وقطاع الطرق وخاصة بالنسبة للمسافرين.
وتحول هذا السلاح "الأبيض" مع بداية الثورة السورية إلى رمز لفظي في هتافات المتظاهرين السلميين الذين كانوا يرددون عبارة "ضرب الخناجر ولا حكم النذل فينا".
مع بداية لجوئه إلى الأردن هرباً من الحرب، وجد الخمسيني عبّارة إقبالاً من قبل الأردنيين لاقتناء الخناجر، ليس بغرض استخدامها كسلاح بالطبع، ولكن للاحتفاظ بها كقطع تقليدية جميلة وتراث قديم تزيّن به جدران البيوت وفاترينات التحف. فأراد أن يعاود العمل بها علّها تغنيه عن ذل السؤال والحاجة.
وتزدان أرفف وفاترينات محله الزجاجية بالعديد من الخناجر متعددة الأشكال والأنواع المنقوشة والعادية، ومنها الشبرية البدوية والخنجر العربي والخنجر الحجازي والقامة الشركسية والخنجر اليماني التي تنم عن فنية عالية وحرفية وإتقان.
وحول مراحل تصنيع الخناجر أوضح عبارة أن المرحلة الأولى في هذه المهنة هي طرق الحديد ومعالجته ليصبح من الفولاذ أو (الجوهر) نسبة إلى القائد "جوهر الصقلي"، ثم يتم تصنيع نصل الخنجر، وتؤخذ قطعة من الجلد وقطعتين من الخشب ويتم جمعهما على شكل خنجر. ثم يُحضّر لوح من الكرتون، ويقطع الحرفي منه شكل الخنجر المراد تنفيذه، ثم يلصق الجلد على خنجر الكرتون ويتركه يجف في الشمس لفترة ثلاثين دقيقة– ثم يرسم شكلاً بالقلم الرصاص ويطرزه بخيوط الفضة أو غيرها من المواد، ثم يثقب ثقبين على الشكل الخشبي بمثقاب يدوي ويُدخل في الفتحتين مسامير خشبية. وهي عملية أشبه -كما يقول عبارة- بالـ "التبشيم" في صناعة الأبواب الدمشقية القديمة.
وبعد هذه المرحلة يبدأ عبارة –كما يقول- بتنعيم السطح الخشبي بالمبرد حتى يصبح أملساً، وتصبح قطعتا الخشب متقنتين تماماً– ويفصلهما ثم يجوف كلاً منهما تجويفاً على شكل شفرة الخنجر مستخدماً في ذلك المطرقة والأجنحة، ثم يلصقهما معاً مرة أخرى.. ويقوم بعدها بإدخال طرف الشفرة في الفتحة المعدة لها في المقبض ثم يثبتها بالمسامير المعدنية كي لا تتحرك، ويكون غمد الخنجر جاهزاً وهو ما يُسمى (قراب الخنجر) ثم يقوم بلحم القراب من الجانبين بالقصدير، وعندما يتم تنكيله يختفي أثر اللحام ويصبح شكل الخنجر انسيابياً لا نتوء فيه وبذلك يكتمل شكل الخنجر.
ويتكون الخنجر من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي نصل حديد صلب يعالج بالحرارة ومقبض من قرن ماعز أو الخشب الصلب ويلبس معدن والقراب أو بيت الخنجر من مادة الخشب ويلبس بمعدن أبيض، ويتراوح سعر الخنجر ما بين 15 و35 ديناراً أردنياً- بحسب النقوش والتصاميم والإكسسوارات المستخدمة فيها إلى جانب نوعية المواد، وقد يصل سعر القطعة المتقنة إلى 100 دينار إذا كانت من الفضة-بحسب محدثنا-.
ويستعيد الحرفي القادم من حمص ما كان ينفذه من نقوش على نصال الخناجر في محله في سوق النحاسين بحمص. وتنوعت تلك النقوش -كما يقول- بين الرموز والطلاسم كرسم الأفاعي التي تكون على شكل (ذي الحيات) أو صورة السمكة التي تكون على شكل "ذي النون" –الحوت، مضيفاً أنه اعتاد على زخرفة الخناجر بالآيات القرآنية والعبارات المختلفة وأبيات الشعر الحماسية، وأسماء الخلفاء والسلاطين أو بالآيات القرآنية من مثل (نصر من الله وفتح قريب) (وبشر المؤمنين) و(إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وكذلك نقش عبارات (الدنيا ساعة فاجعلها طاعة) و(العز في الطاعة والغنى في القناعة).
وكان الحرفيون القدامى-كما يقول محدثنا- يصنعون الخناجر والقامات ومقابض الأسلحة باستخدام الفولاذ وخيوط الذهب والفضة والعاج والقصدير والخشب الفارسي (الحور) وقرن الجاموس وغيرها، ويصنعون الأغمدة من الخشب، ثم يلبسونها بصفائح الحديد، أما المقبض فمن قرن الجاموس أو العاج الذي يستورد من مصر والسودان أما الآن فيستخدم الفولاذ والنحاس والخشب فقط في صناعة الخناجر لغلاء المواد الأخرى.
التعليق