تجارة الآثار في إدلب.. خفايا يسيل لها لعاب الكثيرين


في جلسة ضمته مع أحد تجار الآثار في محافظة إدلب، يقدم "محمد" عدة غرامات من الزئبق الفضي للتاجر الخبير طالباً فحصها، بينما لمعت عيناه، وهو يسرد في حلم يراوده منذ فترة، في امتلاك كميات كبيرة من الدولارات.

حمل تاجر الآثار البضاعة وقلّبها بعناية فائقة. لم تكن كما هو متوقع؛ فالزئبق ليس روحانياً كما يظن محمد. وهكذا ضاعت الدولارات وضاع الحلم الكبير.

تتكرر مثل هذه المشاهد يومياً في إدلب، التي تسيطر عليها المعارضة منذ سنوات طويلة. البعض يعرض تماثيل حجرية أو نحاسية، إضافة لعملات قديمة عفا عليها الزمن، ولو حالف الحظ أحد أصحاب هذه الأشياء القديمة سيغدو من أصحاب الملايين بين ليلة وضحاها.

في كل مكان؛ تجري عمليات الحفر والتنقيب، في المزارع وبساتين الزيتون، وداخل المغارات العميقة والسراديب المعتمة. الجميع يبحث عن فرصة للنجاح، محاولاً تكرار الحالات النادرة التي وجد فيها أحدهم عملة نادرة مصنوعة من الذهب الخالص، أو تمثالاً رومانياً في أحد المدافن.

قبل عدة أشهر لفت انتباه "أبو شفيق" الذي يقطن في قرية حدودية في محافظة إدلب، وجود حجر أملس في بستان الزيتون الذي يمتلكه، وهو ما شجعه على التعاقد مع أحد خبراء التنقيب المحليين، فقد كان هناك أمل كبير في العثور على آثار نادرة، تحت الحجارة، التي تبين لاحقاً أنها تعود لمدفن قديم.

استعان أبو شفيق بجرافة كبيرة للحفر في عمق 10 أمتار، حيث يدفع لقاء كل ساعة حفر 12 ألف ليرة سورية. مع ذلك باءت جميع جهوده بالخيبة، كما يشير لـ "اقتصاد"، مؤكداً أنه سيتابع عملية البحث والتنقيب، فقد غدت هذه العملية "مثل صنعة الحميماتي سوسة لا يمكن للمرء التخلي عنها".

على النقيض من ذلك؛ يروي سكان من قرى متعددة في إدلب لـ "اقتصاد"، حكايات متداولة، عن أشخاص ربحوا عشرات آلاف الدولارات، بعد عثورهم على قطع أثرية في بساتينهم. فلان عثر على جرة صغيرة من النقود الذهبية، اشتراها منه أحد تجار الآثار بـ 125 ألف دولار. وآخر تمكن من بيع تمثال نادر، وجده أثناء حفره داخل مدفن روماني بـ 150 ألف دولار.

أحد السماسرة المتعاملين مع تجار الآثار قال لـ "اقتصاد"، إن التنقيب والتجارة في مجال الآثار، بدأت عقب تحرر إدلب من النظام؛ حيث شرع المئات في عمليات الحفر، باحثين عن قطع نادرة ضمتها تربة المحافظة، التي شهدت حضارات عديدة غارقة في القدم.

وحول الأسعار، قال المصدر إن التماثيل الأثرية النادرة تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف دولار. العملات الرومانية الذهبية تتجاوز الألف دولار للقطعة الواحدة في حين بيعت قطعة واحدة بـ 100 ألف كونها نادرة جداً.

غرام الزئبق الفضي الروحاني ذي الكثافة العالية يتراوح بين ألفين و3 آلاف دولار، أما الزئبق الأحمر - يشك كثيرون في وجوده أصلاً- فتحدث هنا عن مئات آلاف الدولارات.

كان طريق التهريب يمر بلبنان وفقاً لمعلومات أدلى بها أحد تجار الآثار لـ "اقتصاد". لكن، في الآونة الأخيرة، شهد هذا الطريق تشديداً كبيراً، ما جعل الكثيرين يفضلون التهريب إلى تركيا، متجاوزين التدقيق العالي على المعابر، وكامل الشريط الحدودي مع محافظة إدلب.

وعادة ما يتقاضى سماسرة الآثار نسبة 10 بالمائة من ثمن البضاعة، التي يتمكنون من بيعها للتجار، الذين يهربونها إلى خارج سوريا، لتباع بأثمان خيالية.

ترك تعليق

التعليق