"كوبا" جديدة في سوريا.. ماذا يمكن أن يحدث؟


يعتقد البعض أن الأزمة الدولية المتصاعدة في سوريا، هذه الأيام، قد تنحو منحى أزمة الصواريخ في كوبا عام 1962، وتضع العالم على شفير هاوية حرب عالمية نووية. ذلك أن من بين الجوانب المختلفة للأزمة الدولية المتصاعدة اليوم، جانب اقتصادي حسّاس، يعني مصنعي وتجار السلاح الكبار، تحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن المعروف مقدار تأثير أباطرة صناعة السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية، على صنع القرار في البيت الأبيض، وفي أروقة المؤسسات بواشنطن.

لا يعني ما سبق، بطبيعة الحال، تعظيم البعد الاقتصادي للمواجهة المرتقبة في سوريا. لكن، نستطيع أن نؤكد بأن لتلك المواجهة، وجهان رئيسيان، جيوسياسي، وآخر اقتصادي. وأن تطوراتها وقف على رد الفعل الروسي، بالدرجة الأولى. فعلى الروس أن يحددوا، هل سيقبلون بتحمل تبعات التحرك الغربي النوعي في سوريا، وحدهم، إما عبر امتصاص الضربات العسكرية الغربية، دون رد عسكري فاعل، أو تقديم تنازلات سياسية نوعية للأمريكيين في سوريا، وبين خيار آخر، خطير للغاية، وهو الدفع باتجاه مواجهة عسكرية مباشرة، بين الأمريكيين والروس، قد لا تنحصر في سوريا، وقد تخرج عن السيطرة كلياً.

الخيار الأول، مرّ للروس جداً. فإن هم "بلعوا" الضربات العسكرية الغربية، ولم يستخدموا منظوماتهم الصاروخية الدفاعية في سوريا، في الرد، وفي مقدمتها، منظومة "اس 400"، فإن ذلك يعني ببساطة، أن تلك المنظومة الدفاعية لا قيمة نوعية لها، كما كان يروّج الروس لسنوات. ذلك سينعكس على مبيعات السلاح الروسي، وخاصة منظومات الدفاع الصاروخية. وروسيا، كما نعلم، ثاني مصدر سلاح في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتحوز على 20% من سوق السلاح العالمي، بقيمة تتجاوز ربما الـ 15 مليار دولار.

الحشد العسكري الأمريكي، والغربي، هذه الأيام. والتريث في تفعيله وتحريك القطع العسكرية التي تتطلبها الضربات، يوحي بأن التحرك العسكري الأمريكي، لن يكون محدوداً، وأن واشنطن تنوي اختبار فاعلية منظومات الدفاع الجوية الروسية، ومنظومات الحرب الالكترونية الروسية، في سوريا. وهو ما أكدته تغريدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يوم الأربعاء، حينما تحدث عن "صواريخ ذكية" قادمة إلى سوريا.

ستتحول سوريا في الأيام القليلة القادمة إلى ساحة لاختبار أحدث الأسلحة الأمريكية، واختبار قدرة الروس على إعاقتها، وإسقاط بعضها. ونتحدث هنا تحديداً، عن حرب صاروخية، سيختبر فيها الأمريكيون قدراتهم الصاروخية الهجومية، فيما يُتوقع أن يختبر الروس قدراتهم الصاروخية الدفاعية، والالكترونية التشويشية. وحصيلة هذه المعركة ستحدد مدى فاعلية القدرات الصاروخية للطرفين، ما سيؤثر بشكل نوعي على المعادلات التي حكمت سوق السلاح العالمي، قرابة العقدين من الزمن.

في حالة الخيار الأول، إن اختار الروس تجنب المواجهة مع الأمريكيين، عبر تجاهل هجومهم، وعدم تفعيل منظوماتهم الصاروخية الدفاعية المتطورة في سوريا، أو إن اختاروا بدلاً من ذلك، تقديم تنازلات سياسية نوعية للأمريكيين في سوريا، لتجنب الهجوم العسكري، في الحالتين، ستكون المحصلة رسالة لمشتريي السلاح الروسي، حول العالم، الذين يشكلون أكثر من 65 دولة، بأن الغطاء العسكري والسياسي الروسي، مهترء، وغير كفيل بتأمينهم حيال الغضبة الأمريكية.

بطبيعة الحال، سينعكس ذلك، على معدلات شراء السلاح الروسي، بمختلف نوعياته، وفي مقدمته، منظومات الدفاع الصاروخي الروسية المتطورة.

أما في حالة الخيار الثاني، إن اختار الروس الرد الصاروخي على الأمريكيين، وتمكنت منظومتهم الصاروخية الدفاعية، من إضعاف فاعلية الهجوم العسكري الأمريكي – الأوروبي، بصورة نوعية، فإن الغرب، وتحديداً، الأمريكيين، سيكونون في وضعٍ حرجٍ للغاية، لأن ذلك يعني ببساطة، أن قدراتهم الهجومية غير فعالة في مواجهة الروس.

من غير المعلوم، كيف ستتجه بوصلة الأحداث، إن حدث السيناريو آنف الذكر. لكن، يمكن للمرء أن يتوقع تحولات كبرى، تهدد بخروج الأمور عن السيطرة في سوريا، وربما في مناطق مختلفة من العالم.

يعتقد محللون أن الرد الأمريكي، في الحالة المشار إليها أخيراً، قد يتخذ أشكال عديدة، منها الجانب الاقتصادي. ويكفي أن نُذكّر قارئنا الكريم، بأن الجولة الأخيرة من العقوبات الأمريكية، كلفت الروس، خسائر تقترب من 15 مليار دولار، خرجت من جيبة مقربين من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ناهيك عن خسائر نوعية في سعر صرف الروبل الروسي، وسوق الأسهم الروسية.

لكن، ذلك قد لا يكون كافياً. ببساطة، ستتحول سوريا إلى "كوبا" جديدة. حيث ستكون موضع حرج للأمريكيين، وانتشاء للروس. وفي هذه الحالة، سيصبح بشار الأسد، كاسترو جديد، مستهدف، ونظامه، ومحاصر اقتصادياً، وسياسياً، من جانب الغرب والإقليم.

وستندلع موجة حرب باردة، جديدة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. حرب باردة، ستكون سوريا إحدى ساحاتها الملتهبة. فيما سينطلق سباق تسلح متسارع بين الروس والأمريكيين. وسيكون هكذا تحول إيذاناً بتأكيد حالة "التعددية القطبية" التي تحدث عنها خبراء في السنوات الأخيرة.

في خضم التطورات التي قد يشهدها السيناريو الأخير، تبقى احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة في سوريا، بين الروس والأمريكيين، واردة بقوة. وسيبقى نظام الأسد في دائرة الاستهداف الغربي النوعي، ليس لأنه هذه المرة، مجرد صداع خفيف، بل كونه أحد وكلاء وممثلي السطوة الروسية، حول العالم.

في هذه الحالة، يمكن نسيان سيناريوهات إعادة الإعمار في سوريا، وتوقع دوامة من المواجهات العسكرية المتكررة، عبر وكلاء، أو بشكل مباشر، في الميدان السوري.

لذلك، لا يبدو أن المواجهة العسكرية المرتقبة في سوريا، ستكون عادية، فهي في أخف السيناريوهات وطأة، تعني تهشيم الصعود الروسي الذي أسس له بوتين عقدين من الزمن، أو الإطاحة برأس الأسد ونخبته، قرباناً لمصالحة أمريكية – روسية، تُجنب الكرملين الإحراج الاقتصادي والجيوسياسي في سوريا. وفي أشد السيناريوهات وطأة، قد تكون سوريا ساحة لمواجهة ساخنة، تعبّر عن حرب باردة شرسة بين قطبين متساويي القوة، عسكرياً على الأقل، روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية.

 

ترك تعليق

التعليق