"السوق المسقوف" في حمص.. هل من حياة بعد الممات؟


السوق الأبرز بين أسواق حمص من الناحية التاريخية والاقتصادية، السوق المسقوف "سوق المقبي"، وهو أكبر أسواق حمص وأقدمها. ويعتبر من معالم حمص القديمة كمعلم أثري بامتياز. وكان يضم العديد من الأسواق الصغيرة والتي شكلت بمجموعها ما يسمى السوق المسقوف (وسمي بهذا الاسم لأن العديد من أجزائه مسقوفة)، وهو مخصص للمشاة فقط.

السوق المسقوف مجزأ إلى عدد من الأسواق الصغيرة، تشتهر غالبيتها بأسماء المهن المزاولة فيها كسوق العطارين وسوق الصاغة والمنسوجات والخياطين والنحاسين وسوق البازرباشي...

ولأهميته وموقعه، اختصر السوق المسقوف بمجموع أسواقه، الحياة الاقتصادية في حمص، وأصبح يضم عدداً من البنوك والمصارف حوله.

السوق المسقوف قبل وبعد الثورة الحمصية

قبل أحداث الثورة في حمص، كان "السوق المسقوف" يعتبر مركز مدينة حمص، وكان يتميز بحركة تجارية واقتصادية كبيرة، وكان السبب الرئيس للحركة التجارية هو قربه من الكراج القديم الذي كان يشكل عصب الحركة لمئات القرويين يومياًمن ريف حمص الواسع. كمان كان السوق يعتمد على مواقف الباصات تحت "الرواقات"، وبمصطلح السوق كانوا يسموهم "الأجر الغريبة والزبون الطيار".

نال السوق المسقوف نصيبه  من أحداث الثورة في حمص، وتعرض لدمار كبير، وتم قصف معظم معالمه، وطالت أجزاء كبيرة منه أضرار جمة، وحرقت أعداد كبيرة من محلاته، فتحول من سوق كانت تعج به الحياة والناس والمشترين إلى خرابات مردومة محروقة تصفر بين جدرانها رياح الخراب.

خطط النظام المشبوهة

كان النظام قد روّج، قبل أحداث الثورة في حمص، لمشروع "حمص الكبرى"، والذي خطط فيه ليشمل السوق المسقوف والأسواق القديمة المجاورة له، وقد لاقى المشروع معارضة كبيرة من الشارع الحمصي، فقد كانت الرؤية غير واضحة حيال أوضاع سوق الناعورة والجندي والفيصل ومحيط سينما حمص، كونها خطط تشوبها الشكوك والأهداف الخبيثة.

فظهرت خلافات جمة ثم جاءت الثورة في حمص، وتفاقم الوضع وازدادت ضبابية المشهد.. فهل اليوم سيعاد إنعاش هذه الأسواق وتعود كما كانت عليه سابقاً؟، أم أنها سشهد تمهيداً لمخططات النظام وشركائه، المشبوهة؟، إذ لم يتضح وضع هذه الأسواق حتى اللحظة.

أعمال ترميم جزئية للسوق وسط محيط مهجر السكان

تم ترميم السوق المسقوف ترميماً جزئياً عن طريق المنظمات، كما تمت إعادة بناء السقف وإنارته ولكن مظاهر الموت والدمار مازالت تحيط به من كل حدٍ وصوب، ومازال وضع السوق مأساوياً بوصفه سوقاً تجارياً وسط منطقة "ما فيها الدومري".

فالنظام سيطر على المدينة الثائرة والتي يقع السوق المسقوف في وسطها المدمر والمفرغ من سكانه، بعد خلو أحياء البياضة والخالدية والقصور والقرابيص وجورة الشياح (الكتلة الشمالية)، من سكانها.

محلات السوق وعرقلة عودة أصحابها أو افتتاحها

محلات السوق المسقوف أسعارها بالمليارات، ومغلقة والعراقيل أمام افتتاحها كثيرة وتجاوزها صعب، بل شبه مستحيل، والواضح أنه لن يتم تجاوزها حتى تتضح مخططات النظام ومن أبرز هذه العراقيل:

غالبية أصحاب المحلات هُجروا خارج حمص. وتم تهجير مئات آلاف الحماصنة خارج سوريا.

مظاهر الموت والدمار المحيطة بالسوق والأنقاض الكثيفة وأبرزها أنقاض بناء الأوقاف.

عدم المباشرة بتأهيل خدمات البنية التحتية من أرصفة وتزفيت وإنارة وصرف صحي وعدم وصول خدمات الماء والكهرباء والاتصالات.

بقاء المحلات المهدمة والمحروقة والمنهارة والمفتوحة على بعضها بعضاً دون أي عمل رسمي أو غير رسمي لإعادة إعمارها.

عدم توفر حركة مواصلات تربط مركز المدينة بكافة الأحياء.

عدم توفر الأمان داخل السوق.

فواتير الاستهلاك والغرامات التي تراكمت على أصحاب المحلات منذ عام 2012 حتى نهاية 2017 بما في ذلك الماء والكهرباء والصرف الصحي وضريبة الدخل وضريبة العقار.. فمن سيفتح محلاً مثقلاً بالضرائب المالية والأجور والتأمينات والخدمات والنظافة، فالمحلات مغلقة وضرائبها مازالت تتراكم وساعة كهرباء وماء غير موجودة ويتم استيفاء رسومها وغرامات تأخير على فواتيرها من جهات النظام دون أي تسهيلات أو إعفاءات.

متطلبات إعادة الحياة والأهالي أصحاب الأرض الحقيقيين

يرى الكثير من أبناء حمص أن السوق بحاجة إلى تضافر الجهود لإعادة إحيائه، فلا بد من تأمين الخدمات وإزالة الأنقاض وتطويق الفراغات المهدمة وحجب مناظر الدمار والتخفيف منها بإغلاق منافذ المحلات والمكاتب التي لم ترمم إما بأبواب "سحاب أو بلوك خفيف" والعمل على إعادة تواصل السوق مع الأسواق المجاورة وخاصة المحلات، بكتلة سينما حمص والناعورة والمحلات المواجهة لجامع الأربعين، ومنح قروض لمن بقي من أصحاب المحلات من دون فوائد لتشجيعهم على افتتاح محلاتهم وضرورة إعادة تأهيل شارع أبو العلاء المعري، وشارع هود، من الاتجاهين، وتشجيع أصحاب المحلات على الشارع العام وأصحاب "العبارات" ومحلات الجملة على الافتتاح، وتشغيل السوق من جهة حديقة الدبابير ولو ببسطات.. وهكذا تعود الحركة ويتم تأمين تواصل السوق مع شارع الدبلان مثلما امتد الدبلان بعدما فُتح شارع الغوطة.

بالاضافة إلى المتطلبات السابقة، يجب تأمين حركة مواصلات وتسيير السرافيس لوقت متأخر، ووضع موقف للسرافيس لأقرب نقطة من السوق إما مقابل بناء الجندي أو في ساحة الأربعين مع وضع دوريات شرطة لتأمين الحماية للمحلات والناس وبذلك يطمئن التجار على حماية أرزاقهم من السرقة ليلاً - وذلك حسب ما يرى بعض من تحدث إليهم "اقتصاد" في مدينة حمص -.

ولابدّ من إعفاء أصحاب المحلات من دفع كافة الفواتير وتسهيل اجراءات عدادات الماء والكهرباء من دون تعقيدات ومن دون استخراج "كذا ورقة".

مطالبات خدمية لمجلس المحافظة والعمل على عودة الأهالي

 إضافة إلى ضرورة تحريك السوق بعودة بعض المراكز الحكومية والخدمية ونقل بعض نقاط الإغاثة والجمعيات الخيرية ومستودعات المعونة إلى داخل السوق. وتقديم التسهيلات وإزالة العراقيل أمام عودة الأهالي وأصحاب البيوت والمحلات ومساعدتهم في تكاليف الإصلاح والترميم. كذلك لابد من تجميل المنظر الخارجي لبعض الأبنية المحروقة وإنارة الشوارع وتزفيتها.

مخططات مجلس المحافظة ومنها استلهام تجربة شارع الدبلان

 كل هذه الاقتراحات قدمت لمجلس مدينة حمص الذي يملك رؤى أخرى. إذ يخطط مجلس مدينة حمص اليوم لتكرار تجربة شارع الدبلان من خلال إنذار أصحاب المحلات في السوق المسقوف لفتح محلاتهم وإلا سيتم توكيل أمر المحلات المغلقة إلى لجنة مسؤولة عن تأجير المحلات واستكمال ترميمها كجزء من الإيجار وبعد الانتهاء من مبالغ الترميم كأجور شهرية تودع الإيجارات في البنك لصالح أصحاب المحلات المغلقة.

وكخيار ثانٍ، يرى المجلس وضع جميع محلات السوق المسقوف تحت تصرف غرفة تجارة حمص لتقوم بإنذار أصحاب المحلات لفتح محلاتهم خلال فترة محددة وعند عدم الالتزام يحق لغرفة التجارة الانتفاع المؤقت بتأجير المحلات لصالحها.

 فأي مخطط أسود سينفذ بحق محلات السوق المسقوف لشرعنة استيلاء رجالات النظام على هذه المحلات؟!

المحافظة ومعاملات الإجبار على العودة.. والأمن المفقود في السوق

يرى بعض أصحاب محلات السوق المسقوف الذين مازالوا في حمص أن معاملات حق العودة إلى بيوتهم ومحلاتهم مرهقة ومعجزة وأن تكاليف ترميم وديكور المحلات باهظة وأنه لا يوجد أمن وأمان داخل السوق ليلاً فكيف لهم وضع بضائع في محلاتهم بالملايين ليعودوا في اليوم التالي فيجدون المحل مسروقاً.

بينما يرى آخرون أنه على أصحاب المحلات التشجيع على العودة وفتح ولو بسطة على باب المحل، وعندما تسير عجلة السوق وتعود الحركة داخله يقومون بدوكرة محلاتهم المهم أن يفرضوا وجودهم داخل السوق أفضل من أن يبتكر النظام "حلماً جديداً" للأسواق في حمص.

معارضة شبيحة ومجرمي النظام
 
أما مؤيدو النظام وشبيحته في حمص، فيرون أن السوق المسقوف ليس بسوق أثري فما تاريخه بنظرهم سوى من العهد "العثماني البائد"، ولا يريدون هذا التاريخ "الأسود" من تاريخ سوريا، بل ويرون أنه يجب مسحه من تاريخهم وبناء المنطقة على أسس عصرية وحديثة فهم كما يقولون لا يريدون مضائق ولا سراديب ولا أنفاق يعشعش فيها كل خارج عن القانون والنظام، وكل من يحاول تشكيل عصابات طائفية، حسب وصفهم.

وأخيراً يجيب أهل حمص العدية - وكما هو حال جميع السوريين من أصحاب الأرض الحقيقيين- بأن السوق المسقوف "سيعود بعودتنا نحن أهل السوق ومنعرف كيف نشغله وليس غيرنا، مع زوال الخونة والمرتزقة، فنحن أصحاب الحق الأبدي".

ترك تعليق

التعليق