سرقة الآثار وإهمالها في السويداء.. تاريخ يتجدد ويتفاقم


كغيرها من المدن والبلدات السورية، عانت محافظة السويداء جنوب البلاد من سرقة آثارها وتاريخها، على مدى أربعين عاماً، وعلى يد عصابات منظمة تتلقى أوامرها من قبل شخصيات بارزة وقيادات مقربة من آل الأسد، وفقاً لمصادر خاصة في المحافظة.

والسويداء التي تضم أكثر من (400) موقع أثري مسجل، ومئات المواقع الأثرية الصغيرة غير المسجلة، والتي ما زال الكثير من معالمها واضحاً لغاية الآن، وغير ذلك من المواقع الكثيرة التي لم يتم الكشف عنها على الرغم من دلالات وجودها، ازدادت فيها عمليات سرقة الآثار، خلال السنوات السبع الماضية، وذلك نتيجة استغلال العصابات المدعومة من قبل أفرع النظام الأمنية في المحافظة، وعلى رأسها فرع الأمن العسكري، لحالة الفوضى والفلتان التي يعيشها جبل العرب.


تاريخ مسلوب

لعل الملفت في آثار السويداء امتدادها عبر العصور، حيث تتوزع أوابدها الأثرية على عدة عصور من العصر البرونزي، وصولاً للعهد الإسلامي، وفقاً لـ "علاء أبو فخر"، باحث في الآثار من السويداء.

وقال "أبو فخر" في حديث لـ "اقتصاد": "تمت سرقة آثار السويداء بأساليب ممنهجة، منذ أربعين عاماً، ويعتبر رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد الشخصية الأكثر شهرة بسرقة ونهب آثار السويداء".

وأضاف "أبو فخر": "كانت تجري عمليات سرقة الآثار بقيام وحدات عسكرية تتبع لرفعت الأسد، أو ما كان يعرف وقتها بسرايا الدفاع، بالتخييم في المنطقة المراد نبشها مستعينين بخبراء آثار، ويقومون بنبش المنطقة وسرقتها وبيعها في السوق السوداء. وسجلت بحق رفعت الأسد مئات عمليات نبش وسرقة الآثار من المحافظة".

وأردف "أبو فخر": "لم تقتصر سرقة الآثار في السويداء على رفعت الأسد وحده، حيث قام عدد من المسؤولين الأمنيين بعمليات نهب وبيع لآثار من السويداء، وكذلك فعل عدد كبير من المواطنين عبر عمليات نبش دفائن أثرية مستفيدين من الحفر المستتر داخل منازل قديمة تقوم فوق مواقع أثرية، حيث تعتبر معظم بلدات السويداء مبنية على أساسات أثرية موجودة قبل وجود السكان الحاليين للسويداء".

وأشار إلى أن "أكثر الدفائن الموجودة هي قبور يهودية، وذهبيات تركية وبعض الدفائن الرومانية".


سرقات حديثة

أفاد "مروان عيسى"، مختص بعلم الآثار من السويداء، بأن الحفريات الأثرية ازدادت بعد قيام الثورة السورية، وساعد في ذلك حالة الفلتان الأمني، وقلة الرقابة من قبل الجهات المختصة، ودخول التكنولوجيا في عمليات البحث عبر أجهزة متطورة للكشف عن المعادن في باطن الأرض.
وتابع "عيسى" لـ "اقتصاد": "يعمل عدد من ضباط الجيش في عمليات التنقيب، وكذلك تعمل الفرقة الرابعة عبر عدد من ضباطها بالتعاون مع مختصين في الآثار من مديرية آثار السويداء في عمليات الحفر والبحث عن الآثار".

وأوضح "عيسى" أنه "وعبر أوراق نظامية تم نقل كمية كبيرة من محتويات متحف السويداء في العام (2015) إلى جهة مجهولة، مبررين نقل هذه الكميات خوفاً عليها من السرقة مع العلم بأن السويداء آمنة، وبقيت بعيدة نوعاً ما عن الأحدث في عموم البلاد".

وعن ماهية القطع المنقولة من المتحف قال "عيسى": "إن جميع القطع ذات قيمة عالية، ومن النوع الذي يتم تداوله في السوق السوداء، مثل لوحات الفسيفساء والتماثيل البرونزية والذهبية".


تجار أمنيون

أفاد "علاء أبو فخر" أنه ومنذ القديم ولغاية الآن جميع من يعمل في تجارة الآثار يعمل تحت الوصاية الأمنية، مشيراً إلى أن تجار الآثار معظمهم من محافظتي (دمشق وحلب)، ويشترون الآثار من السويداء عبر وسطاء يعملون لحسابهم.

وأردف بحديثه لـ "اقتصاد": "يتم نقل الآثار من السويداء من خلال هؤلاء التجار بتسهيلات من الجهات الأمنية، ويتم تهريب الآثار عبر منفذين وهما البادية الشامية وطريق دمشق السويداء".


تنقيب متواصل

أكد "مروان عيسى" أن مديرية آثار السويداء تعمل على التنقيب على عدة مواقع أثرية، وهي تل (بريكة) الذي يقع في ريف السويداء الغربي ويعود إلى العصر البرونزي، والموقع الثاني (سيع) الواقع قرب بلدة (قنوات)، والذي يعود للعهد النبطي والموقع الثالث في مدينة (شهبا) والذي يعود للعهد الروماني.

ونوه "عيسى" إلى تجاهل مديرية آثار السويداء عمليات التنقيب والكشف عن آثار مدينة السويداء المكتشفة لاحقاً، والتي تحوي أسواقاً تجارية، وكنيسة تعد من أكبر كنائس المنطقة، ومعالم تدل على وجود مدينة أثرية متكاملة تحت جزء من مدينة السويداء تم دفنها تحت الشارع المحوري في المدينة.

وكشف "عيسى" قيام الكثير من العصابات التي تحظى بدعم من قبل متنفذين في النظام، بالتنقيب بشكل عشوائي، أو التنقيب وفق بعض العلامات والإشارات المنتشرة في مناطق مختلفة من السويداء.


إهمال متعمد

يعتبر مدخول سياحة الآثار في السويداء ضعيفاً جداً قبل الثورة، وحسب أرقام مديرية سياحة السويداء في السنوات السابقة لا يتعدى عدد السياح 5 آلاف سائح سنوياً، وهو رقم ضئيل جداً وفقاً لمصدر بمديرية السياحة فضل عدم الكشف عن اسمه.

وتابع المصدر لـ "اقتصاد": "يعود ضعف سياحة الآثار في السويداء لعدة أسباب منها التهميش الإعلامي والدعائي للمواقع الأثرية، وعدم وجود مرافق سياحية خدمية مثل الفنادق والمطاعم، إضافة لترك هذه المعالم عرضة للتخريب ورمي النفايات فيها".

ونوه المصدر إلى أنه "وبعد انطلاق الثورة أصبحت زيارة الآثار من قبل السياح شبه معدومة، إلا من بعض الزيارات الداخلية كالرحلات المدرسية".

ترك تعليق

التعليق