غزو البضائع المُهربة لدمشق.. هزيمة اقتصادية أم ضرورة حتمية؟


بشكل كثيف، تكتظ أسواق العاصمة دمشق لا سيما الشعبية منها ببضائع مجهولة المصدر تتفوق بكافة المستويات على المنتجات المُصنّعة محلياً.

وبالرغم من تفوقها المُضاعف في نسبة المبيعات إلّا أنّ البضائع الغذائية منها تُشكّل خطراً حقيقياً على صحة المواطن السوري وسط غياب الرقابة المؤسساتية والدوائر المعنية بصحة السوريين.

وسائل عديدة يستخدمها المُهربون في استحضار المُنتجات المُهرّبة وعرضها في الأسواق، وتأتي العملية الأولى في تهريب البضائع إمّا من لبنان عبر الحدود الخاضعة لسيطرة "ميليشيا حزب الله" أو من تركيا عبر الأراضي المُحررة من سطوة النظام في الشمال السوري، ليتم فيما بعد عبورها عبر الحواجز الأمنية وتسليمها للمروجين والباعة "الجملة والمفرق".

تحظى المُخدرات بأعلى سُلّم أولويات المُهربين من لبنان، يليها الالكترونيات بأنواعها ومن ثُمّ المُستلزمات الطبّية كالقساطر القلبية والأدوية الأجنبية ومواد البناء والمعلبات، ومُستحضرات التجميل، والأبقار والأغنام والدجاج والبهارات والموالح والمنظفات.

أمّا من تركيا فيستحضر المُهربون الألبسة والأحذية ومُستلزمات الأطفال من فوط وبسكويت والحليب المُجفّف ومواد الكاكاو والزبيب وبعض الحمضيات والزيوت والسمنة.

دوائر نظام الأسد تحاول عبر وسائل إعلامها المحلّية الإيحاء بُمحاربتها لعمليات التهريب مُتذرعةً بغياب سيطرتها العسكرية والأمنية على "المنافذ غير الشرعية" بسبب سيطرة الغير عليها. وترى أنّ أهم مُغريات التهريب لدى التجار تهربهم من دفع ما يترتب عليهم لقاء إدخال بضائعهم بطرق قانونية وفرق السعر بين سوريا والدول المُجاورة لها بحسب ما أكّده لـ "اقتصاد" تاجر مواد الجملة في سوق الكهرباء بالعاصمة (ه،ع).
 
وأردف التاجر أنّ نظام الأسد يُسهّل عمليات التهريب بغض بصره عنها رغبةً منه بتأمين حاجة السوق بسبب خروج أكثر من 60% من المنشآت الصناعية والتجارية من الخدمة خلال السنوات الست الماضية. ويفرض النظام قيمة عالية للمُصالحة على البضائع المضبوطة بحق مُهربيها العاملين بشكل فردي بعيداً عن عيون عسس النظام.

استخدام لصاقات "صناعة محلّية" وتزوير الوثائق والسجلات الصناعية والتجارية والماركات إحدى أهم الوسائل المُعتمدة لدى أصحاب النفوذ لتمرير بضائعهم المُهرّبة عبر الحواجز الأمنية بين المناطق. وباستثناء المُخدرات يُعاني المُهربون المُغردون خارج سرب النظام من مُعوقات عديدة أهمها مُصادرة البضائع بعد ضبطها قانونياً، أو سلبها من قبل الحواجز الأمنية.

ويتم تهريب المُخدرات في الصابون والمعلبات وعبوات الشامبو وألعاب الأطفال "البلاستيكية والقطنية" وإطارات السيارات.

السيد (ع، ش) من سكان المزة وسط دمشق قال لـ "اقتصاد": "لا يهتم المُهربون للأمن الصحي والمخاطر المُنعكسة على المواطن المُستهلك بالدرجة الأولى، وتبدو الصيدليات أكثر النقاط المُستهدفة بالنسبة لهم بسبب السعر العالي للدواء الأجنبي المُهرب وخفّة وزنه، كما أنّ المواد الغذائية المُهربة لا سيما البهارات والمرتديلا منها غالبيتها فاسدة ومنتهية الصلاحية مطبوعٌ على أغلفتها صناعة محلية وتاريخ جديد من الصعب كشفه من قبل المُستهلك وهي مواد تُشكّل تهديداً صريحاً لصحة المواطن المنكوب أساساً من آثار الحرب، وفي ذات الوقت تُسجّل نسبة مبيعات أكبر بكثير من المُنتجات المحلية بسبب فارق السعر الذي يصل إلى ما دون النصف أحياناً".

وبحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن نظام الأسد فإنّ مضبوطات البضائع المُهربة في العاصمة تبلغ أكثر من 2880 ضبط سنوياً نصفها بضائع المواد الغذائية، وتصل قيمة المُصالحات على البضائع المُهربة إلى أكثر من 12 مليار ليرة سورية سنوياً.

أمام هذه الفوضى المُبرمجة الهادفة لجمع المال بشكل سريع وتعويم حالة الأمن الاقتصادي الوهمي، يبقى الإنسان السوري هو الضحية بالدرجة الأولى في بلدٍ تشكل نسبة الفقر فيه 90% والفقر المُطبق 67%، أكثريتهم يقترضون المال لأجل تأمين الغذاء البسيط لوجبة واحدة يومياً، بعكس منظومات التهريب التي استثمرت ظروف الحرب وباتت وبحكم تجربتها طيلة السنوات الماضية تتفوق على أهم مافيات العالم.

ترك تعليق

التعليق