استخدامات "قصب الزل" تعود إلى الظهور من جديد.. في درعا


بعد اختفائها لسنوات طويلة، عادت إلى الظهور من جديد، نباتات القصيب أو ما يعرف بـ "قصب الزل"، باستخداماتها المتعددة في العديد من مناطق ريف درعا الغربي.

ويشير المهندس الزراعي (محمد عبد الكريم) إلى أن قصب الزل أو القصيب، هي نباتات نجيلية، تنبت بكثافة في مجار الأودية والأنهار، ويصل طول العود الواحد منها إلى نحو ثلاثة أمتار، مشكلة غابات صغيرة، تصبح مأوى للأسماك النهرية.

ولفت إلى أن أودية وروافد نهر اليرموك، ووادي الزيدي، ومسيلات العديد من السدود، تعتبر أرضاً خصبة لنمو هذه النباتات، التي عادت مجدداً لتصبح بديلاً مناسباً عن الأخشاب والاسمنت، في سقوف بعض الحظائر والمعرشات المنزلية في بعض مناطق الريف، وذلك بالتزامن مع حالة الفقر التي أفرزتها الحرب السورية.

وأضاف عبد الكريم، أن نباتات (القصيب)، أو (قصب الزل)، كانت في خمسينيات القرن الماضي، من أهم المواد المستخدمة في أسقف البيوت الطينية في المناطق الريفية، بسبب قدرتها على العزل الحراري، ومتانتها ومقاومتها للعوامل الجوية والأمراض التي تصيب النباتات إضافة إلى توفرها بشكل كبير في أودية درعا ومسيلاتها المائية المتعددة.

وأشار إلى أن استخدامات نباتات قصب الزل، لم تكن حكراً على أسقف المنازل فحسب، بل كانت تصنع منها أيضاً الكثير من الأواني المنزلية كالسلال، والصناديق، والأطباق، وبعض الأدوات الموسيقية (كالناي) و(المجوز) والاسيجة والأقفاص والمعرشات لتتلاشى هذه المصنوعات مع التطور التقني وظهور الصناعات البيتونية والمعدنية وتبقى محصورة في بعض الاستخدامات.

وقال: "إن الحاجة لنباتات القصب، وخاصة في هذه الظروف الصعبة، ظهرت مؤخراً، وأصبح جلبها من الأودية مهنة لبعض الشباب والأسر، تساهم في توفير فرص عمل مؤقتة، وتساعد في تحسين الوضع المعيشي، بعد أن عادت استخداماتها للظهور مجدداً، في أسقف المنازل وفي تقوية الخيم في مخيمات النازحين"، لافتاً إلى أن بعض الشباب يقومون بجمع هذه النباتات من الأودية، وبيعها بعد تنظيفها وتجفيفها.

ويقول نضال غنام، 45 عاماً: "بعد أن تقطعت بي السبل لعدم وجود عمل اعتاش منه، بدأت العمل في جلب نبات القصيب إلى منزلي من الوادي القريب، وبالتعاون مع جميع أفراد الأسرة، نقوم بتقشير الأعواد وتنظيفها ومن ثم عرضها للبيع".

ولفت إلى أن عود القصيب يباع حسب طوله، الذي يصل إلى ما بين مترين وثلاثة أمتار، بمبلغ يتراوح ما بين 10 و15 ليرة سورية، مشيراً إلى أن حجم مبيعاته يتوقف على الطلب، وهو في متوسطه يتجاوز الثلاثة آلاف ليرة سورية يومياً، وأحياناً يصل إلى أكثر من ذلك، فيما لا تشهد بعض الأيام أي مبيعات تذكر.

وأشار إلى أن المعرشات، تكلف ما بين 10 و15 ألف ليرة سورية، وذلك حسب مساحتها، فيما يكلف سقف الغرفة أكثر من ثلاثين ألف ليرة سورية، والقفص الصغير 3 آلاف ليرة سورية، والسياج حسب مساحته وأعواد القصب المستخدمة فيه.

وحول الصعوبات، أشار إلى أن العمل متعب، بسبب النزول إلى الأودية والصعود منها، إضافة إلى الجروح الكثيرة التي يصاب بها أفراد العائلة خلال عمليات التنظيف والتقشير، موضحاً أن النباتات يتم نقلها على ظهور الحيوانات أحياناً، أو بربطها على جسم الشخص والقيام بجرها.

وقال إن ما يسهل عليه العمل رغم صعوبته، توفر بعض الحيوانات لديه وقرب منزله من الوادي، وهذه الميزة تجعله يستمر بعمله.

من جهته، يقول أبو سالم، 72 عاماً، وهو أحد الممتهنين للمصنوعات اليدوية، إنه كان في السابق يصنع السلال والصناديق الصغيرة، والأطباق التي تستخدم لحفظ الخضار والمونة، إضافة إلى العرائش، لافتاً إلى أن إنجاز هذه المشغولات لم يكن يستغرق معه وقتاً طويلاً أيام شبابه.

وقال: "كنت أشارك في المعارض والأعمال التراثية في السابق، لكني الآن أصبحت غير قادراً على ذلك، بحكم سني وبسبب اعتلال صحتي".

من جهته، أشار المهندس عماد صلاح، وهو موظف سابق، إلى أن لقصب الزل عدا عن الاستخدامات الصناعية، استخدامات بيئية، حيث باتت تزرع هذه النباتات في مجاري السدود لتنقية المياه من الملوثات والشوائب، مشيراً إلى التجربة الواسعة، التي شهدتها سدود درعا في هذا المجال، قبل انطلاق الثورة، والنتائج التي حققتها في درء التلوث عن بعض السدود، والتخفيف من أضراره على المزروعات، وعلى صحة الإنسان.

ولفت إلى أن تنقية المياه عن طريق الأحواض الترسيبية وزراعة نبات (قصب الزل) كانت من المشاريع الاقتصادية المهمة في محافظة درعا، مبيناً أن هذه التجارب، ساهمت في توفير كميات كبيرة من المياه العادمة بعد تنقيتها، لتصبح مقبولة في عمليات الري الزراعي، ما حسن الكثير من مردود الأراضي الزراعية القريبة من السدود.

ترك تعليق

التعليق