على حساب المُغادرين.. تحسّن سلبي في أسواق جنوب دمشق


وصلت بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، الواقعة تحت سيطرة فصائل الثوار "جنوبي دمشق"، إلى مفترق الطرق بين رافضٍ للخروج من المنطقة بكل ما قد تتعرض له من ظروفٍ صعبةٍ في المستقبل القريب وراغبٍ بالخروج منها إلى الشمال السوري أو جنوبه مُفضّلاً خياره على البقاء تحت سطوة عصابات الأسد والميليشيات المُساندة له.

وقد جرى اجتماع موسّع في منطقة الرهونجي بالقرب من معبر ببيلا عصر يوم الثلاثاء 28/03/2018 بين اللجنة العسكرية للفصائل المُقاتلة في المنطقة من جهة وضباط روس من جهةٍ أخرى، طلب فيها الفريق الأخير حسم ملف المنطقة عبر المُفاضلة بين التسوية الشاملة مع نظام الأسد وخروج الرافضين أو تكرار سيناريو غوطة دمشق الحزين، مُلوّحين بفتح معركة مفتوحة يُحسم الأمر من خلالها.

وسرعان ما انتشر نبأ حسم عدّة فصائل قرارها بالخروج بشكل سريع باتجاه محافظة إدلب في الشمال السوري المُحرّر والمناطق المُحررة في محافظة درعا جنوبي سوريا، رافضةً الانصياع لشروط الضباط الروس الرامية لمقاتلة تنظيم الدولة في مخيم اليرموك وأحياء الحجر الأسود والعسالي والتضامن والمادنية، جنباً إلى جنب مع قوات النظام، تلاها أخبار أكّدت أنّ تلك الفصائل بدأت بتسجيل قوائم مُقاتليها على أن تبدأ عملية تسجيل المدنيين في الخطوة اللاحقة.

وبالرغم من عدم إعلان أي بيان رسمي من الجهات المُفاوضة وإعلان حسم القرار خروجاً أو بقاءً إلّا أنّ الكثير من المدنيين قرروا التفريط بمقتنياتهم الشخصية وبيعها بأسعار تتدنى عن سعرها الحقيقي بأكثر من 70%.

رامي المحمد، شاب يبلغ من عمره 28 عاماً، متزوج ولديه طفلان، أحد الراغبين بالخروج إلى الشمال السوري، يعمل في تعبئة بوابير الغاز بمحل شعبي صغير ويمتلك 8 اسطوانات غاز منزلية كان قد اشترى الواحدة منها بسعر 7 آلاف ليرة سورية منذ ستة شهور بعد تلقيه مُساعدة ماديّة بسيطة من أحد أقربائه في ألمانيا. قال لـ "اقتصاد"، إنّ ثمن الاسطوانة الواحدة اليوم في أسواق جنوب دمشق لا يتجاوز الـ 700 ليرة سورية.

ويُضيف المحمد أنّه كان يؤمّن بعض احتياجات منزله وأطفاله من خلال الجمعيات الخيرية قبل أن تتوقف أكثريتها عن العمل منذ ستة شهور، وحصل على عمله بعد تشجيع أصدقاءه له، ويُفضّل بيع اسطواناته الثمانية بـ 6 آلاف ليرة سورية كما عُرض عليه، على أن يتركها عُرضةً للسرقة.
جواد العودة، شاب آخر يرغب بالخروج باتجاه الجنوب السوري، عرض كامل فرش منزله للبيع، مؤلّفاً من "براد كبير، وغسالة أوتوماتيك 7 كيلو، وفرن غاز متوسط الجودة، وغرفة نوم بحالة ممتازة، وطقم؛ كنبايات تركي، ومكتبة نحوي 200 كتاب مُنوّع". وتعرّض للصدمة حين حصل على سعر أقل من 80% من أسعارها الحقيقية، حيث لم يُقدّم له سوى مبلغ 200 ألف ليرة سورية فقط، في حين يبلغ أسعار الفرش بالأحوال الطبيعية حوالي مليون ليرة سورية في جنوب دمشق وأكثر من مليون ونصف مليون ليرة في أسواق العاصمة دمشق.

ويُؤكّد العودة أنّه كان يتوقع انهياراً كبيراً في الأسعار لكن ليس لدرجة أدنى من نصف السعر المُتعارف عليه في الأسواق.

سيارة "أوتوماتيك" مُستعملة نوع هونداي موديل "فيرنا" تصنيع عام 2007 مدفوعة الترخيص السنوي، يبلغ سعرها في العاصمة دمشق 4 ونصف مليون ليرة سورية، هي كُل ما تبقى من أملاك محمود الأوزاعي الراغب بالخروج للشمال السوري، ولم يعرضها للبيع قبل الآن تاركاً إياها كخطة استثنائية تُسعفه حين تعرّضه لظروفٍ صعبةٍ وفقاً للحصار المفروض على المنطقة.

ويقول الأوزاعي أنّه لو علم مُسبقاً باقتراب مسلسل التهجير لمنطقة جنوب دمشق لكان عرضها للبيع في ظروفٍ طبيعية، أمّا الآن فيعدّ نفسه قد خسرها بالكامل كونه لم يستطع إقناع أحد من الزبائن بدفع أكثر من مليون ليرة سورية ثمناً لها.

ويتشارك المحمد والعودة والأوزاعي في سبب عرضهم مُقتنياتهم للبيع لفقدانهم المال الذي قد يحتاجون إليه بعد توجههم لخارج المنطقة أثناء وصولهم للوجهة المُحتملة "الشمال أو الجنوب"، خصوصاً بعد تواتر أنباء سلبية من الشمال السوري مفادها عدم قدرة المُنظّمات الخيرية والإنسانية تقديم المُساعدات المعيشية اللازمة لأكثر من 30 ألف مُهجّر من الغوطة الشرقية.
  
ما يسود حالة السوق من توترٍ كبيرٍ وانخفاضٍ غير مسبوق للأسعار هو حالة طبيعية نتيجة عدم شعور المُتبقين في المنطقة بأمانٍ مطلقٍ والمغامرة غير المضمونة بعد مُغادرة الخارجين، بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، إحسان الناشف، أحد سكان المنطقة. ولم يُنكر إحسان شجع الكثيرين من التجار الذين يبتزون الراغبين بالخروج بأسعار مُقتنياتهم كونهم لا يملكون الحد الأدنى من الخيارات.

ويُفضّل الناشف أن يترك المُغادرون للمنطقة مُقتنياتهم عند أقاربهم أو أصدقاءهم الذين يعدّونهم من أصحاب الأخلاق الرفيعة ليبيعونها حين استقرار السوق على أن يتكبدوا كُل تلك الخسائر غير المنطقية.
 
ورصد "اقتصاد" بعض أسعار ما تم عرضه في الأسواق، حيث تم بيع جهاز لابتوب "core i2" جودة فائقة بـ 17 ألف ليرة، وشاشة "Samsung 20inch 2033" بـ 9 آلاف ليرة، وبطارية جيل حديثة 55 أمبير بـ 10 آلاف.

أمّا فيما يتعلق بأسعار السلاح فقد تعرّض السوق لحالة جمود رهيبة بعد أن انخفضت أسعاره بنسبة 40% منذ أربعة شهور إثر خروج الشباب المُحاصرين من المنطقة عبر "مافيات" تعمل مع نظام الأسد مُقابل مبلغ 4300 دولار للشخص الواحد، حيث خرج حينها أكثر من 250 شاباً، منهم من وصل إلى الأراضي التركية.

ويعيش في بلدات جنوب دمشق 100 ألف مدني ثُلثهم مُهجّرين من المناطق المُحيطة، أحياء "الحجر الأسود والعسالي والتضامن ومخيم اليرموك"، وبينهم 13 ألف لاجئ فلسطيني، وذلك بسبب سيطرة تنظيم الدولة على بعض أجزاء تلك الأحياء مطلع العام 2015، وتمدده بشكل كبير وصلت لإحكام سيطرته في الأيام العشرة الأخيرة على منطقة المادنية في حي القدم الدمشقي عقب خروج أهاليها إلى الشمال السوري بصفقة مُبرمة مع نظام الأسد.

ترك تعليق

التعليق