قلعة الحصن في الذكرى الرابعة لاجتياحها.. العودة رغم الخوف


لا بد من الإشارة إلى التعتيم الإعلامي الشديد على بلدة الحصن ومحيطها، فالمعلومات من داخلها شحيحة جداً ومن الصعوبة الحصول على تفاصيل ومعلومات عن واقعها منذ سيطرة النظام عليها.

وتقع بلدة "قلعة الحصن" وقرى "الزارة والحصرجية والشواهد" في ريف حمص الغربي من سوريا. وتضم هذه البلدات غالبية ديمغرافية سُنية في محيط يغلب عليه العلويون والمسيحيون.

وفي تاريخ 8/3/2014، قامت قوات النظام والميليشيا الطائفية المُسماة بـ "الدفاع الوطني"، وكتائب البعث ومجموعات التشبيح من منطقة تلكلخ وشين وخربة حمام وحديدة وقراها من حمص وصولاً لطرطوس، بالإضافة لشبيحة من القرى المسيحية المجاورة في وادي النصارى، قام ذلك المجموع باجتياح بلدة الزارة والحصرجية والشواهد، ثم مدينة قلعة الحصن بتاريخ 2014/3/20 بعد حصار شامل دام سنوات، وما رافقه من عمليات قصف وغارات جوية.

جرائم وتهجير ونهب

بعدها، قام أفراد من المناطق الموالية والشبيحة من البلدات المحيطة ومن شاركهم في جرائمهم، بسرقة ونهب هذه القرى بالكامل وحرقها بشكل متعمد وممنهج، وعلى العلن، فخرجت أرتال من سيارات القرى الموالية المجاورة محملة بالمسروقات من أثاث المنازل والمداجن والماشية والسيارات والجرارات والآليات الزراعية، وحتى اقتلعوا السيراميك والبورسلان والرخام والحديد والبلاط والنحاس والخفان والبياض، وسرقوا بضائع المحلات والملابس وحرقوا المنازل والمحلات والأراضي الزراعية ونهبوا وحرقوا المساجد، بعد قتل وحرق جثث أكثر من (150) شخصاً أعزل ممن بقي من المدنيين "النساء والشيوخ والأطفال" في قرية الزارة، وهي جرائم موثقة.
 
الحصن ومحيطها

يحيط بمدينة الحصن (71) قرية ذات غالبية علوية ومسيحية، وهي تحاصر الحصن من كافة الجوانب. وكانت وماتزال هذه القرى منبعاً ومقراً للشبيحة الطائفيين.

 القرى التي تحيط ببلدة قلعة الحصن

على طريق حمص طرطوس، قرية البساس، وبعدها عناذ والتلة وعش الشوحة والحواش وعين العجوز ودير مار جرجس وعمار الحصن وشواهد والحصرجية والزارة وقميري والمشتاية.

 ومن بعض القرى التي تشرف على مدينة قلعة الحصن: شميسة أم جامع أم حارتين المزينة، القلاطية جور العفص والناصرة، كفرة، مرمريتا، الزويتينية.

 ومن القرى التي تطل على  قلعة الحصن، صافيتا وشين وقرب علي وبيدر الرفيع والسنديانة الغربية والناصرة. كما يشرف  على بلدة  قلعة الحصن وادي خالد في لبنان بعد سهل البقيعة.

الحصن وعودة بعض سكانها

رفضت القرى المسيحية المحيطة ببلدة الحصن ومعها القرى العلوية، لمدة طويلة، عودة أهالي الحصن والشواهد إلى بيوتهم المنهوبة وقراهم، ولكن بعد عدة مصالحات مع وجهاء من كل الأطراف تم أخيراً الاتفاق على السماح لعدد قليل جداً من أهالي الحصن والشواهد، بالعودة.

وأطلق النظام عدة حملات دعا من خلالها أهالي الحصن للعودة إلى المدينة وإعادة إعمارها بعد أن دمرها "الإرهابيون"، كما يدعي.
 
عاد عدد قليل من "عوائل الحصن"  إلى المدينة ولكن النظام وشبيحته قاموا باستدراج الشباب وتم اعتقال البعض منهم واختفى ذكره نهائياً، ولم يعرف مصيرهم حتى اللحظة.

عواينية وتقارير كيدية

كما يواجه بعض عوائل الحصن العائدين من بعض "الحصنيين" أنفسهم، من مخبري وجواسيس النظام العملاء الذين أثقلوا حياتهم بالتقارير الكيدية، وتقارير أهلكت شبابهم ونسائهم ولكنهم صبروا وأصروا على العودة واسترجاع بيوتهم وأراضيهم، وبمقابل ذلك تخوف عدد كبير من أهالي الحصن من العودة ومازالوا.

 وتزامناً مع بدء عودة أهالي الحصن صدر قرار أمني بحل اللجان الشعبية في قرى الوادي وتشكيل كتائب مسلحة بدلاً منها، حملت اسم (كتائب البعث)، عناصرها من البعثيين فقط.

دجاج وغنمتين للعائدين
 
عاد بعض أهالي الحصن إلى بيوتهم المحروقة والمنهوبة والمدمر بعض أجزائها، وقدمت لهم خدمات بسيطة، حيث تم إعطاء بعض الأهالي ممن عاد أولاً مبلغاً مالياً كبدل أضرار بقيمة تراوحت بين (400- 500) ألف ليرة سورية للمنازل فقط، أما للمداجن فقد عوضت أضرارها وخسائرها بمبلغ (250) ألف ليرة سورية فقط، كما قدم لكل أسرة عائدة (50) دجاجة وعلف لمدة سبعة أشهر وغنمتين.

خدمات أساسية محدودة جداً

تم تزويد جزء من بلدة الحصن بخزان مياه وتم تجهيز بئر ونظام ضخ حيث وصلت المياه إلى الخزان وتم تزويد قسم من الشبكة بالمياه بحيث أصبح بإمكان من يسكن ضمن القسم المغذى بالشبكة أن يقدم طلباً للحصول على عداد بينما تم تزويد المواطنين الذين يقطنون خارج القسم المغذى بالشبكة عن طريق صهريج ماء خصص للحصن. وكما تم إجراء صيانات لجزء من شبكة الهاتف في البلدة وتم تزويدها بنحو ألف خط هاتف.

مدارس ينقصها كوادر

تم تأهيل مدرستين (ابتدائية وإعدادية) وتأمين البنى التحتية للمدارس حيث بلغ عدد الطلاب (64) طالب وطالبة من أهالي الحصن والشواهد، أما طلاب المرحلة الثانوية فيضطرون للذهاب إلى مدرسة "الحواش" الثانوية حيث تم تخصيص سرفيس من أحد أهالي الحصن بتكلفة (100) ليرة سورية ذهاباً و(100) ليرة سورية إياباً لكل طالب، وقد تم تعيين عدد من المدرسين والمعلمين في المدرستين ولكن ماتزال تعاني من نقص في الكادر التدريسي على الرغم من الفائض الكبير في مدارس الوادي المجاورة، ورغم وعد مدير التربية بسّد النقص في تعيينات المسابقة الجديدة وصدرت النتائج ولم يعيين أي مدرس لصالح مدرسة الحصن.

الحصن.. لا كهرباء أو خدمات طبية وبلا مؤسسات حكومية

حتى الآن لم يتم توفير شبكة كهرباء لبلدة الحصن والشواهد، ولا يوجد فيها أي طبيب أو حتى مستوصف طبي ولا يوجد أية مؤسسة حكومية، ولا حركة سير. ويضطر الأهالي للذهاب "بطلب سيارة خاص" إلى مدينة تلكلخ أو إلى قرية "الحواش" المجاورة لإحضار متطلباتهم بما يكفي لمدة أسبوع، حيث يبلغ أجرة "سيارة طلب" إلى مدينة تلكلخ  (1800) ليرة سورية، وإلى الحواش (1000) ليرة سورية لمسافة لا تستغرق ربع أو نصف ساعة.

ترميم مسجد وافتتاح محلين للسمانة وجهود إغاثة هزيلة

تم إعادة تأهيل مسجد واحد من ست مساجد مدمرة ومنهوبة في الحصن، ولكن لم يعيّن فيه شيخ حتى اليوم. وقد تم فتح محلين لبيع الخضار وبعض مستلزمات المنزل في الحصن، ويتم إحضار المواد والخضار أيضاً من الحواش وتلكلخ.

كما أنه لم تقصد الحصن أي مؤسسة إغاثية أو جمعية خيرية عند بدء عودة الأهالي باستثناء الجمعية (أدرى) التي قامت بترميم جزئي بإمكانيات بسيطة لبعض البيوت لأهالي الحصن، وذلك بعد أن قام الأهالي بترميم جزء من أضرار منازلهم حتى يصبح مؤهلاً للسكن.

 ومن ثم، وبإمكانيات بسيطة، زارت الحصن "اللجنة البلجيكية" لإعمار سوريا، وقامت بترميم غرفتين وحمام ومطبخ من خلال تقديم نوافذ وأبواب وترميم للحيطان المدمرة وتلييس للحيطان المحروقة وقدمت خزان ماء لكل عائلة عائدة.

كما تم تقديم بعض الملابس وبطارية "شحن مولدات" من أجل الإضاءة عوضاً عن الكهرباء، بالاضافة إلى الكرتونة الغذائية كل شهرين من قبل الهلال الأحمر السوري.

 كما عمل "الهلال الأحمر"على تشغيل بعض نساء الحصن بأعمال يدوية، وبالمؤونة، لصالح بعض المؤسسات التجارية براتب شهري (42) ألف ليرة سورية وذلك عند بدء عودتهم فقط.

 أما اليوم فيشكوا الأهالي من توقف هذه الأعمال واعتمادهم فقط على مواسمهم الزراعية وما تنتجه الأعداد القليلة جداً من الدجاج والمواشي التي يملكونها.

مواسم زراعية بين أخذ ورد

تميز موسم العام المنصرم من "الكروم والزيتون" في الحصن بخيراته الوفيرة ويروي الأهالي بأن أعداد عناقيد العنب تفوق أعداد أوراقه وسارع أهالي "الحواش" إلى شراء كميات العنب هذه لصناعة "العرق". وبعض من أهالي الحصن باعهم الموسم، والبعض الآخر رفض بيعهم الموسم وفضل تجفيفه وتحويله إلى زبيب.

المغتربون والجهات الرسمية

زار وفد من الجالية السورية في الكويت بلدة الحصن مع محافظ حمص، طلال البرازي، برفقة وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، واطلعوا على الواقع الخدمي للبلدة وعملية إعادة تأهيل البنى التحتية فيها، كما التقوا عدداً من أهالي البلدة العائدين واستمعوا إلى مطالبهم ومشاكلهم، وأكد رئيس وأعضاء الوفد أن زيارتهم تأتي لمساعدة ودعم النظام السوري في إعادة الإعمار والمساهمة الفعالة في إعادة بناء بلدة الحصن، ولكن حتى اللحظة لم يتم تنفيذ أي من تلك الوعود، فكانت زيارة استطلاع  وتصوير لا غير.

مشاريع سياحية بهدف الاستيلاء على الأراضي

زار وفد حكومي بلدة الحصن وقرى وادي النصارى واطلعوا على الواقع الخدمي والتنموي، وكان وعد وزير السياحة أثناء زيارته بأنه ستتم دراسة تنفيذ "تل فريك" بين قلعة الحصن ودير "مارجرجس".

 فكان رد الأهالي بأن هذا المشروع سيعود بالربح لوادي النصارى وفنادقه وليس فيه فائدة للحصن إلا اغتصاب الأراضي بحجة "تلفريك" فهذا المشروع حلموا به منذ زمن وهو ضرر للحصن اقتصادياً واغتصاب لأراضي الحصن وهذا لا يصب لمصلحة أهل القلعة لأن السياح سيصبح مرورهم بالحصن وسيتوجهون بعدها إلى دير مارجرجس للإقامة في فنادق الوادي ومنشأتهم السياحية.

بالمقابل أكد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبدالله الغربي، أثناء زيارته المنطقة مع الوفد الحكومي إلى ضرورة منع التعديات على المساحات الخضراء والمسطحات وضرورة إقامة المشاريع السياحية الهامة والمتنوعة دون المساس بالمناطق الحراجية الخضراء والأثرية للحفاظ على الطبيعة الخاصة بالمنطقة.

إنعاش وخطط تنموية وسياحية على حساب نهب وتصحر المناطق المهجرة

تناقضات جمة تعيشها المنطقة، فبإمكانك ملاحظة وإدراك التمييز والعنصرية بين أوج التطور والإعمار والخدمات في قرى وادي النصارى وازدياد في المناظر الجمالية، ليقابلها إبادة كاملة لقرى الزارة والحصرجية من اقتلاع سكان وأشجار وبيوت، بالإضافة لخدمات بطيئة وحياة بدائية يعيشها أهالي الحصن والشواهد ولكنهم راضون عن حياتهم هذه رغم صعوباتها فبإرادتهم تغلبوا على حاجز الخوف، وفعلاً عادوا.

ترك تعليق

التعليق