غواصو السعودية يستكشفون فرص العمل والحرية قبالة سواحل جدة


 السماء صافية والشمس ساطعة والبحر يتلألأ بلونه الفيروزي.

نوف العصيمي في جولة غوص استكشافية حول جزيرة صغيرة رملية في البحر الأحمر تعد موطنا للسلطعون وعددا من الطيور البحرية.

الهلام يطفو قرب حافة القارب في مياه بالغة الشفافية لدرجة أنك ترى الأسماك في الأعماق.

السيدة السعودية (29 عاما) ترتدي سترة غوص وقلادة من الفضة على شكل سن سمكة قرش، في إشارة إلى لقبها "شاركي."

في المياه تضع غطاء رأس، لكن على متن القارب- وهي الغواصة الوحيدة بين مجموعة رجال- تظل حاسرة الرأس.


هنا في البحر الأحمر يسهل أن تنسى أنك في السعودية، البلد المحافظ الذي تغطي أغلب نسائه رؤوسهن ووجوههن بحجاب أسود ويرتدين عباءات واسعة فضفاضة، أضف إلى ذلك الفصل بينهن وبين الرجال في الأماكن العامة إلى حد كبير كما أنهن لا يستطعن السفر للخارج دون موافقة ذويهن.

المياه الصافية شمال مدينة جدة الصاخبة هي موقع تجربة مثيرة لتشجيع السياحة في المملكة المحافظة المنغلقة على نفسها.

وبالنسبة للعصيمي فالموقع مثير من عدة نواح، فهو يخلق فرصا جديدة للنساء كونها ركن من البلاد تتراخى فيه القواعد بعض الشيء.

والمدينة تفتح أميالا من السواحل البكر التي تعج بالمشاهد البحرية التي لم يستكشفها أحد كي يستطلعونها بروية.


نوف العصيمي قبل أن تغطس قالت" نحن هنا في جزيرة وسط البحر الأحمر، نريد استكشاف هذا المكان.. قد نجد أنها موقع جميل لقضاء العطلات.. إننا نؤسس لنشاط غوص هنا".

العصيمي عضو اتحاد مدربي الغوص المحترفين، إحدى رائدات المجال وصاحبة رقم القياسي المحلي لأعمق غطسة لأنثى سعودية - 105 أمتار- الغطسة تطلبت خمسة خزانات أكسجين واستمرت أكثر من سبعين دقيقة.

شغفها بالغوص دفعها لركوب حافلة في رحلة تستغرق ساعة كاملة كل يوم من جدة لمدينة الملك عبدالله الاقتصادية.

هناك، تعمل نوف في مركز غوص تم افتتاحه مؤخرا في فندق "باي لا صن مارينا" ونادي اليخت تمهيدا لخطط المملكة لافتتاح المركز أمام السائحين في وقت لاحق من العام الجاري.

طوال عقود، اقتصرت الزيارات للسعودية على رحلات الحج في مكة وزيارة المدينة المنورة أو للعمل في الرياض أو أي من المدن الكبرى مثل جدة والدمام.

ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان (32 عاما) يحاول تغيير تلك الأوضاع بالتصريح بتقديم تأشيرات دخول سياحية.

الخطوة تأتي في إطار خطة أكبر لإصلاح الاقتصاد في وجه تراجع أسعار النفط.

يجري الترويج للسياحة كوسيلة لخلق مزيد من الوظائف في السعودية، وجذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز الاقتصاد وتحسين صورة البلاد في الخارج.

الطالب صلاح أحد مسؤولي السياحة في السعودية قال إن البلاد لا تستهدف الجماعية، بل تنتقي مجموعات مهتمة بالطبيعة والتنزه والغوص والمواقع الثقافية.

وقال "السعودية بلد إسلامي يضم أقدس المواقع الإسلامية في العالم، وهذه الحقائق يجب أن تحترم إذا أرادوا (السياح) التجول في هذا البلد والاستمتاع والاختلاط مع الناس."

وحدد صندوق الثروة السيادي الحكومي، الذي يشرف عليه ولي العهد، خطا ساحليا يمتد لمسافة 200 كيلومتر على ساحل البحر الأحمر، يعتزم تحويلها إلى وجهة سفر عالمية فخمة تضم مناطق جذب للغوص ومحمية طبيعية. وقال الصندوق إن المنطقة ستكون وجهة شبه مستقلة "تحكمها قوانين تتماشى مع المعايير الدولية"، مشيرا إلى أن النقاب والعباءات لن تكون شرطا للنساء.

يعتبر البحر الأحمر أيضا موقعا لمشروع طموح بقيمة 500 مليار دولار يسمى "نيوم" - منطقة اقتصادية مستقلة بالقرب من الحدود مع مصر والأردن، وتقع على مساحة 26500 كيلومتر مربع من الأرض البكر، وتتجاوز مساحتها ولاية ماريلاند الأمريكية. وقال الأمير محمد إنه يتوقع أن تكون مركزا للابتكار التكنولوجي تعمل على توفير فرص عمل وجذب للاستثمارات.


يحاول الأمير التخلص من سمعة المملكة العربية السعودية كدولة متشددة تحكمها الوهابية. فأعاد الحفلات الموسيقية بعد حظر دام عقدين من الزمن، ووعد بعودة دور السينما وكان وراء قرار رفع الحظر عن قيادة النساء في شهر يونيو/حزيران. جرى إسكات المعارضة، فتم اعتقال العشرات من منتقدي تحركات الأمير لتعزيز سلطته.

احدى التغييرات الأقل شهرة كان له بالفعل تأثير كبير على حياة العصيمي. فقالت إن خفر السواحل السعودي لم يعد يمنع المرأة من التنزه في القوارب دون ولي أمرها، مثل الزوج أو الأب أو الأخ. وبدلا من الغوص على الشاطئ، بات بمقدورها الآن استكشاف المياه بحرية.

وقال الغطاس المصري تامر نصر الذي يعمل في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الاحمر منذ أكثر من 20 عاما ان الغواصين قد يستغرقون سنوات لرسم خريطة للسواحل السعودية التي تبلغ 2000 كيلومتر على ساحل البحر الاحمر.

وقال "لديهم هنا مساحة ضخمة لاكتشافها" مضيفا أن الغواصين من باي لا صن مارينا عثروا بالفعل على عدد من حطام السفن تحت الماء ومواقع الغوص التي يمكن أن تجذب السياح.

لا يزال الغوص نادرا بين السعوديين. وللتواصل مع ممارسات رياضة الغوص بين الإناث الأخريات في المملكة العربية السعودية ، أنشأت العصيمي مجموعة تسمى "بينك بابلز دايفرز" ونظّمت يومًا في جدة العام الماضي لتمارس النساء الغوص سويا والاستمتاع بيوم خاص على الشاطئ.

وبمجرد رفع الحظر عن قيادة المرأة هذا الصيف، تعتزم العصيمي القيام برحلة على الطريق مع الأصدقاء لاكتشاف مواقع الغوص الجديدة في الشمال.

وقالت العصيمي "كنت أشعر بالسوء لأنني أعرف البحر الأحمر في مصر أكثر من البحر الأحمر في السعودية. الآن، لدي الفرصة لرؤية كل هذه الأماكن والشعاب المرجانية."

ترك تعليق

التعليق