"بكفي خيّا".. فلسطينيو مخيم اليرموك يُطالبون بالعودة لفلسطين


بعنوان "بكفي خيّا"، نظّم اللاجئون الفلسطينيون، من "أبناء مخيم اليرموك" في جنوب العاصمة دمشق، والقاطنون في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم الواقعة تحت سيطرة المُعارضة السورية، ظهر اليوم الأحد، اعتصاماً حاشداً طالبوا خلاله الأمم المُتحدة بإعادتهم إلى بلدهم فلسطين المُحتلة بموجب القرارين رقم "181 و 242" الصادرين عن الأمم المُتحدة ورفعوا لافتات مُعبرين فيها عن سخطهم حيال تجاهل الأمم المتحدة لمعاناتهم اليومية منذ سبع سنوات.

لم يستقر مخيم اليرموك منذ اندلاع الثورة السورية، حيث كان منطقةً آمنةً للثوار يحوي بين أزقّته مُستشفيات ميدانية ويُوفّر سلّة غذائية للمناطق الثائرة في محيطه إلى أن تحرر مطلع العام 2013 حيث تعرض لقصفٍ عنيفٍ من نظام الأسد والميليشيات الفلسطينية الموالية له لا سيما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة". ودخل في حصارٍ خانقٍ قضى فيه 198 شخصاً غالبيتهم نساءٌ وأطفال نتيجةً لانعدام الغذاء والدواء. وشهد المخيم تحولات عديدة في خارطة السيطرة، وسيطرت عليه هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً" في مطلع العام 2016 على حساب فصائل الجيش الحر وكتائب أكناف بيت المقدس الذي يضم في غالبيته مقاتلين فلسطينيين، لتنتهي السيطرة فيه لتنظيم الدولة بعد مُحاصرة هيئة تحرير الشام في حي الريجة بمساحة لا تتجاوز الواحد كيلو متر مربع غربي اليرموك مُنتصف العام ذاته.

وشهد المخيم مؤخراً توتّراً أمنياً غير مسبوق إثر اندلاع اشتباكات عنيفة بين التنظيم والنظام في حي القدم الدمشقي إبان خروج مقاتلي الحي إلى الشمال السوري، وتعرض لموجة حادّة من صواريخ الطائرات الحربية والبراميل المُتفجرة.

في ذات الأثناء فُوجئ أبناء المخيم بقرار صادر عن بلدة يلدا يقضي بإغلاق معبر العروبة المُتنفس الوحيد المُتبقي للمدنيين الصامدين داخله بدءاً من يوم 17 من الشهر الحالي.

جواد الغزاوي، يبلغ من عمره 63 عاماً، قال لـ "اقتصاد"، إنّه حاول الصمود كثيراً في مخيم اليرموك مكان نشأته وذكرياته المليئة بصور من فقدهم فيه ومن غادروه عُنوةً، لكن قرار إغلاق حاجز العروبة كان صادماً جداً، فلم يبق لديه خيارات سوى المُغادرة أو البقاء خاضعاً خانعاً لسيطرة تنظيم الدولة منتظراً مصيراً مجهولاً قد يودي به إلى هلاكٍ ودفع ضريبةٍ ليس له أدنى علاقة بمسبباتها.

في مخيم اليرموك كان الغزاوي قاطناً في منزله مُحافظاً على كرامته واليوم يقطن برفقة أربع عائلات في بلدة يلدا بمنزلٍ واحدٍ وسط غياب الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.

13 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم و500 آخرون يعيشون غربي المخيم برفقة هيئة تحرير الشام مُحاصرون من النظام والتنظيم هم فقط من تبقوا من 450 ألف لاجئ كانوا يقطنون المُخيم قبل العام 2011، يعيشون جميعهم وسط ظروف إنسانية مأساوية بين مطرقة تنظيم الدولة وسندان حصار الأسد ومُستقبل مجهول قد تتعرض له كامل منطقة جنوب دمشق في القريب العاجل كامتداد طبيعي لما تؤول إليه الأمور في الغوطة الشرقية ومستجدات الساحة السورية.

يبلغ عدد المرضى الفلسطينيين في مخيم اليرموك وبلدات يلدا وببيلا وبيت سحم أكثر من 179 مريضاً بينهم 76 مُصاباً بأمراض القلب و 29 مُصاباً بمرض السرطان، و 16 مُصاباً بأمراض الكبد والكلى، و 9 مُصابين بمرض الصرع، و9 مُصابين بشلل الأطراف.

وبسبب استثناء الفلسطينيين من الهدنة القائمة في منطقة جنوب دمشق منذ مطلع العام 2014 لم يسمح النظام سوى لـ 40 حالة خاصّة لديهم بالتوجه إلى دمشق لتلقي العلاج اللازم حارماً البقية منه.

وبالرغم من اعتراف "وكالة الأونروا" إحدى مؤسسات الأمم المُتحدة بالأزمة الصحيّة التي يُعانيها اللاجئون الفلسطينيون المُحاصرون، تتقاعس في تقديم الخدمات الواقعة على كنفها كمؤسسة تُعد المعني الأول بهم، وحضرت لخدمة اللاجئين صحيّاً مرة واحدة منذ آب 2015، فيما أدخلت آخر قافلة إغاثة مُخصّصة لهم في حزيران منذ عامين تاركةً إياهم دون أبسط أشكال الرعاية مُتخليةً عن الواجبات المنوطة بها.

تنصّل المجتمع الدولي من قضيتهم وتخلي مُنظمة التحرير الفلسطينية ووكالة الأونروا وتقديم الشعب الفلسطيني أثماناُ باهظاً خلال الثورة السورية وتكرار النزوح واللجوء هو ما دفع فلسطينيي مخيم اليرموك إلى الطلب من الأمم المُتحدة إعادتهم إلى فلسطين بموجب القرارات الأمُمية بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، عمار القدسي، عضو اتحاد تنسيقيات الثورة السورية.

وأشار القدسي إلى أنّ الشريحة الفلسطينية تُعاني من فقرٍ وبطالةٍ شديدين وغالبيتهم يعتمدون في معيشتهم على مساعدات وكالة الأونروا والجمعيات الخيرية وبعض المبالغ الواردة من أقاربهم في أوروبا والتي لا تسد احتياجاتهم المعيشية.  

استند اللاجئون اليوم في مطلبهم بإعادتهم إلى فلسطين للقرارين الصادرين عن الأمم المُتحدة "181 و 242"، فالقرار 181 الصادر عام 1947 يقضي بتأسيس دولة فلسطينية على 45% من أراضيها تحت وصايةً دولية منها القدس وبيت لحم، فيما يستحوذ الكيان الصهيوني على بقية المساحة، وهو بطبيعة الحال قرار مُجحف جداً يغفل مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

أمّا القرار 242 الصادر في نوفمبر 1967 فيقضي بإنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، ويضمن المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكلّ دولةٍ في المنطقة عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجرّدة من السلاح.

بدورها "مجموعة العمل لأجل فلسطينيي سوريا"، والتي تتخذ من العاصمة لندن مركزاً لعملها، وثّقت 3685 من الضحايا الفلسطينيين بينهم 467 امرأة، ووثقت وجود أكثر من 1673 مُعتقلاً في فروع أمن النظام بينهم 106 إناث، في حين استطاع 85 ألف لاجئ الوصول إلى أوروبا، ويُقدر عدد المتواجدين في لبنان حوالي 31 ألف، وفي الأردن 17 ألف، وفي مصر 6 آلاف، وفي تركيا 8 آلاف، وفي غزة 1000 لاجئ فلسطيني.

وبالعودة إلى القدسي فلن يختلف مصير منطقة جنوب دمشق عن مصير مثيلاتها من المناطق السورية الثائرة التي تعرضت للتهجير والتغيير الديموغرافي متنبئاً باقتراب الحسم في القريب العاجل وتسوية أوضاع الشباب وخروج الرافضين للانصياع لسطوة الأسد المجرم.

ويختم القدسي أن الخطّة المُنفّذة في مخيم اليرموك باتت واضحة المعالم مع استمرار القصف وتسلط تنظيم الدولة والتضييق على سكان المخيم لدفع الأهالي للهروب وتهجيرهم بشكل ناعم لإلغاء الوجود الفلسطيني في سوريا وهذا رُبّما ما يتم تنسيقه مع الكيان الصهيوني، حسب وصف القدسي.

يُذكر أن حاجز العروبة يُعدّ المنفذ الوحيد الإنساني المُتبقي لأهالي مخيم اليرموك الذين يتعرضون لحصار مشدد من قبل نظام الأسد والمجموعات الفلسطينية الموالية له منذ حوالي 1709 يوم.

ترك تعليق

التعليق