أجهزة الكشف عن المعادن الأثرية.. مصادر دخل في ريف درعا


شهدت عمليات التنقيب عن الآثار في ريف درعا، أساليب جديدة أكثر تطوراً، وذلك من خلال استخدام أجهزة الكشف عن المعادن، التي بدأت تظهر في ريف درعا بشكل ملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية، ما خفف عن أصحاب هذه المهنة الكثير من الجهد والوقت.

ويشير أبو عماد، 39 عاماً، وهو أحد مزاولي هذه المهنة منذ عدة سنوات، إلى أن المنقبين كانوا في السابق يعتمدون على بعض العلامات والإشارات المنقوشة على بعض الصخور للدلالة على وجود المواقع والمدافن الأثرية، ثم يقومون بتحديد أبعاد المواقع، وحفرها دون معرفة ما في داخلها، لافتاً إلى أن هذه القبور والمدافن، غالباً ما تكون فارغة، ولا تحتوي أي لقى أو كنوز أثرية. 

وأضاف أنه ومع تزايد النشاط والإقبال على هذه المهنة، بدأ بعض المستثمرين من أصحاب الأموال، بشراء أجهزة الكشف المتطورة عن المعادن، واستخدامها في عمليات التنقيب عن الآثار، وذلك من خلال تقديم خدمة مأجورة، لورشات التنقيب المنتشرة، مقابل الحصول على حصة محددة من قيمة مبيع اللقى، التي يتم العثور عليها.

ويشير مجد القاسم، 40 عاماً، وهو أحد مالكي هذه الأجهزة، إلى أنه قلما يذهب إلى بيته "خالي الوفاض" من حصة مالية يومية، مشيراً إلى أنه اشترى قبل عام جهازاً لكشف المعادن بنحو 3 ملايين ليرة سورية، وهو يستخدمه كمشروع استثماري مدر للدخل منذ ذلك الوقت.

ولفت إلى أن الجهاز الذي يملكه ذي إمكانيات محدودة، لكنه يستطيع الكشف عن المعادن المدفونة على أعماق تصل إلى متر واحد بسهولة، من خلال إطلاق أصوات محددة حسب نوع المعدن.

 وأشار إلى أن هناك أجهزة أكثر تطوراً، تصل أثمانها إلى ما بين 6 و 8 ملايين ليرة سورية، وهي بإمكانيات كشف كبيرة، تستطيع التصوير وتحديد المعادن على أعماق كبيرة، لكنها غير مستخدمة على نطاق واسع، نظراً لارتفاع ثمنها، والضرر الكبير الذي ترسله الإشعاعات الناجمة عنها، لافتاً إلى أن أثمان هذه الأجهزة، هي أقل من ذلك بكثير، لكن كونه يتم الحصول عليها عن طرق التهريب، تصل إلى هذه الأثمان المضاعفة.

 وعن آلية عمله قال: "إما أن أبحث أنا وأولادي الثلاثة في مواقع أثرية محددة، وإما أن اشترك مع مجموعات حفر وتنقيب تنشط في المنطقة وهي تعد بالعشرات"، مشيراً إلى أن مهنة الحفر والتنقيب عن الآثار أصبحت مهنة الكثير من الشباب والرجال، وحتى اليافعين، في ظل توقف دورة الحياة الاقتصادية وتقلص فرص العمل المتاحة.

وأضاف أن مجموعات من الشباب تترك قراها، وتذهب صباح كل يوم إلى التلال والخرب القريبة، بحثاً عن اللقى الأثرية، لافتاً إلى أن دوره هو المرور على هذه المجموعات، وفحص مواقع الحفر بواسطة جهازه، فإن أصدر الجهاز إشارة تدل على وجود معدن، يطلب من المجموعة الاستمرار بالحفر حتى يظهر المعدن، الذي غالباً ما يكون "عملة نقدية" أثرية، تعود إلى فترات تاريخية محددة.

وأوضح أن القيمة المالية لهذه اللقى تزداد وتنقص حسب الحضارة التي يعود إليها النقد، أو المعدن، وقيمة النقوش والرسوم المتواجدة عليه.

وأشار إلى أن اللقى التي يتم العثور عليها، تباع لتجار الآثار في المنطقة، ويتم تقاسم ثمنها بين أفراد المجموعة، وصاحب الجهاز بالتساوي، موضحاً أن عمله لا يقتصر على مجموعة عمل واحدة، بل على عدة مجموعات، تكون في الموقع الواحد، حيث يتنقل من واحدة إلى أخرى، ويحاصصها على جميع اللقى المعدنية، التي يكشفها جهازه. 

وأضاف أن جميع المواقع الأثرية في ريف درعا، وهي كثيرة، تنبش كل يوم، سواء بطرق الحفر التقليدية باستخدام المعاول، وإما باستخدام معدات الحفر الثقيلة /البواقر والتركسات/، ويعتاش مما يتم العثور عليه فيها، مئات الأسر.

 من جانبه، يشير سعيد رباح، 39 عاماً، وهو منقب أثري، يشير إلى أن عمليات الحفر لم تعد تستهدف القبور البيزنطية والرومانية، للعثور على اللقى الأثرية، بل أصبحت بواسطة الأجهزة الحديثة، تستهدف أساسات الأبنية الأثرية، لافتاً إلى أن الفلوس المعدنية الأثرية، أصبح يتم العثور عليها أحياناً في أساسات الأبنية القديمة المطمورة، أما اللقى الفخارية والزجاجية، لا تستطيع الأجهزة كشفها، وهي تكون بالعادة في المقابر، وعلى أعماق كبيرة.

وحول حظوظه قال: "نعثر على معادن كثيرة، بعضها  لا قيمة مادية له، وبعضها  يمكن أن يباع بأثمان تصل إلى 100 ألف ليرة سورية ومنها بعض الآثار والقطع تصل أثمانها إلى ما بين 500 و 1500 دولار أمريكي لكنها قليلة".

ويقول عثمان الحمد، 24 عاماً: "أصبح التنقيب عن الآثار لدي، نوعاً من الإدمان"، لافتاً إلى أنه يحدوه أمل دائم في أنه لا بد وأن يعثر على كنز، يجعله يقبر الفقر.

وتساءل قائلاً: "ماذا نفعل؟، لا يمكننا الجلوس هكذا؟.. ما في شغل، ما في عمل، وليس لدينا خيارات كثيرة، ما تبحث عنه، كل الناس يبحثون عنه. الشباب كثر، وفرص العمل قليلة جداً، والخيارات المتاحة أمامنا، هي إما  الهجرة، أو الانتماء إلى إحدى الفصائل، أو أن ترضى بأقل القليل"، لافتاً إلى أن ما يعثر عليه بالكاد يكفيه لمصاريفه اليومية.

وأشار إلى أنه يعمل مع مجموعة مكونة من خمسة أشخاص، يتنقلون من مكان أثري إلى آخر، على دراجاتهم النارية، في رحلة بحث يومية، مبيناً أنهم يعثرون أحياناً على فلس معدني، يبيعونه وينفقون ثمنه على احتياجات أسرهم، وأحياناً تمر عدة أيام لا يعثرون فيها على ما يشترون بثمنه بنزيناً لدراجاتهم النارية.

وأضاف: "هذه هي حالي وحال آلاف الشباب مثلي في المنطقة، نعيش في حالة بحث مستمر عن عمل، يؤمن احتياجاتنا، ونقبل بكل الأعمال المتوفرة، فنحن عمال زراعيون، وعمال عتالة، وعمال بسطات، وعمال تنقيب. المهم هو أن نستمر في العيش، وفي السعي نحو رزقنا".

ترك تعليق

التعليق