تحقيق خاص بـ "اقتصاد": مقومةٌ بالدولار، عقارات دمشق تقترب مما كانت عليه قبل 7 سنوات


تشهد سوق العقارات السكنية في العاصمة دمشق ارتفاعاً مُتجدداً بأسعارها منذ مطلع العام الحالي بعد حالة ركود أصابتها خلال سبع سنوات مُنقضية، اضطرب فيها السوق ليطفو قانون العرض والطلب العشوائي على سطح المشهد.

وبلغ ارتفاع الأسعار بنسبة لا تقل عن 30% واقتربت مُقارنة بسعر الدولار الأمريكي إلى ما كانت عليه مطلع العام 2011، فمثلاً "منزل مساحة 100 متر مربع" قُدّر ثمنه في عام 2011 بحي الميدان الدمشقي، بـ 3 مليون ليرة سورية أي 60 ألف دولار أمريكي بسعر صرف للدولار الواحد 50 ليرة سورية. واليوم يُقدّر ذات المنزل بـ 27 مليون ليرة بسعر صرف 450 ليرة سورية للدولار الأمريكي الواحد.

تأرجحْ أسعار العقارات بين ارتفاعٍ وانخفاض واستقرار يخضع لعدّة عوامل تتذرع بها دوائر نظام الأسد الرسمية ويُراعيها تجار العقارات، وتبدأ من أسعار الأراضي والأسمنت ومواد البناء والاكساء وأجور العاملين، بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، التاجر (م، ق)، أحد مالكي مكتب لتسويق العقارات وسط دمشق.

وأضاف التاجر أنّ مُشكلة الأسعار وامتلاك منزل جيد في دمشق لا تتناسب إطلاقاً مع دخل الأسرة في سوريا لا قبل الحرب ولا خلالها، فقبل عام 2011 حين كان العمل مُتوفراً ومُستقراً كان متوسط دخل الأسرة 500 دولار شهرياً أي 6 آلاف دولار سنوياً، وبالتالي لم تكن الأسرة قادرة لمجرد التفكير بامتلاك بيت صغير في دمشق، فكيف الآن وبعد سنوات الحرب التي أنهكت كُل السوريين في ظل متوسط دخل الأسرة الذي لا يتجاوز 250 دولار أمريكي.

وأردف التاجر أنّ وجود مكاتب وشركات تسويق عقاري تحوي ضمن فرق عملها تقنيين وفنيين مُتخصصين وخبراء ومهندسين وحقوقيين لم يُغيّب دور وساطة المكاتب العقارية الشعبية لسبب استهدافها طبقة مُعينة من المجتمع السوري "المخملية" على حساب الطبقات الاقتصادية الضعيفة التي ما زالت المكاتب الشعبية تحظى بثقة كبيرة لديها وما زالت تزاول عملها بكثافة وتتماهى مع تقلبات السوق سلباً وإيجاباً.

وتتلاشى في دمشق كافة المشاريع الاستثمارية الصغيرة الهادفة لإنشاء مساكن جماعية شبه شعبية أو اجتماعية بأسعار مقبولة تتناسب مع مستوى دخل الأسرة أمام مشاريع الشركات العقارية الكبيرة لأسباب عديدة أهمها قوة السيولة المالية واستخدام نفوذها المُنغرس في أعماق دوائر نظام الأسد الرسمية.

أحد المهندسين العاملين في كُبرى شركات العقارات بدمشق - "رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية" - عزا أسباب غياب العدالة في سوق العقارات السكنية بدمشق منذ سنوات لعدم مراعاة دوائر نظام الأسد مُعدّل النمو السكاني ومدى تناسبه مع الواقع الاقتصادي والعُمراني، وانعدام مواكبة حاجة السوق تبعاً لعدد السكان والوافدين إلى سوريا.
   
وأردف المهندس أنّ غياب نقابة تجمع مُمتهني الوساطة العقارية وهيئات رسمية قادرة على تقييم الأسعار بموجب معايير علمية أفسحت مجال لقانون "العرض والطلب" ليفرض نفسه عرفاً أساسياً في تسيير أمور السوق وأبعدت السكان عن العاصمة ليلجؤوا إلى المناطق الريفية التي أصبحت وبالرغم من مُساهمتها في تأمين سكن رخيص بما فيه من سلبيات تُشكّل أزمة حقيقية بعد تطورها لتصبح مناطق سكن عشوائي تحوي أعداداً كبيرة من السكان.

واستطرد المهندس: "تهميش وإقصاء دور الجمعيات السكنية التعاونية في التنمية العقارية وتنظيم الإسكان ووضع العراقيل لمنعها من الوصول للأراضي المُخصصة لبناء السكن الجماعي، ودعم وتوفير التمويل للقطاع العقاري الخاص وتشجيعه لبناء العقارات الفاخرة الترفيهية صنعت هفوة كبيرة وأنتجت فرزاً سُكانياً بموجب القدرة على الامتلاك وضاعف من انعدام القدرة الشرائية لدى الأسرة السورية، وساهم في توتر السوق خلال سنوات الحرب ليتصاعد وينخفض سعر العقار بموجب الحاجة المُلحّة للبيع بعيداً عن المعايير المُتبعة قبل الحرب لدرجة أنّ منزل مساحة 100 متر مربع كان يُباع قبل الحرب بـ 10 مليون ليرة سورية أي 200 ألف دولار وتم عرضه وبيعه خلال السنوات الست الماضية بـ 75 مليون ليرة أي 165 ألف دولار، وهنا بما لا شك فيه أنّه بالرغم من السعر المرتفع والأرقام العالية إلّا أنّ العقار السكني كان فاقداً من قيمته مُقارنة بالدولار ما يُقارب 20%".

وبحسب إعلانات عروض العقارات السكنية بيعاً وشراءً، رصد "اقتصاد" منازل معروضة للبيع في عدّة أحياء بالعاصمة دمشق، واختار المنازل ذات مساحة المائة متر مربع لسهولة المُقارنة.

في منطقة السبع بحرات يُعرض منزل بسعر 65 مليون ليرة، وقبل عام كانت تُعرض المنازل هناك بذات المساحة بـ 54 مليون، وفي ركن الدين منزل معروض للبيع بسعر 60 مليون ليرة سورية وقبل عام كان السعر بـ 51 مليون ليرة، أمّا في منطقة مشروع دمر منزل بسعر 100 مليون بينما قبل عام كان 80 مليون ليرة، وفي منطقة أبو رمانة منزل بسعر 140 مليون ليرة حالياً أمّا قبل عام كان بـ 110 مليون ليرة، وفي حي الصناعة منزل بسعر 52 مليون ليرة بعد أن كان سعر العام الماضي 44 مليون، وفي منطقة المزة فيلات 110 مليون ليرة في حين كان العام الماضي بـ 84 مليون ليرة.

كانت سوريا عموماً تُعاني أزمة سكن مُزمنة منذ نصف قرن، وسُجلت العاصمة دمشق في المركز الرابع عالمياً لأغلى البلدان في سعر العقارات عام 2010، وبالرغم من فقدان القدرة الشرائية لدى المواطن السوري تبقى تجارة العقارات الأكثر ربحاً أمام فقدان نحو 6 ملايين مواطن لمنازلهم.

ترك تعليق

التعليق