كيف أنقذت الفلافل أسرة درعاوية من الفاقة؟


على الرغم من قساوة الظروف الاقتصادية، التي يعيشها الفرد السوري بسبب الحرب التي تعصف بالبلاد منذ نحو سبع سنوات، إلا أن عزيمة وإصرار بعض السوريين، جعلتهم ينتصرون على ظروفهم ويحققون مكاسب مادية، أمنت لهم ولأسرهم حياة يمكن وصفها بالكريمة.

ويقول الخمسيني أبو قاسم، وهو عسكري منشق من ريف درعا الأوسط، "بدأت عملي منذ بداية الثورة كبائع فلافل في محل صغير، يطل على شارع عام، اقتطعته من منزلي، ووضعت فيه بسطة صغيرة لبيع الفلافل والسندويش، وذلك بمساعدة ابني قاسم".

وأضاف أن محله، بعد مرور بعض الوقت، اكتسب سمعة جيدة، وبدأ يشهد إقبالاً متزايداً بالتزامن مع وصول عدد من الأسر النازحة القادمة من القرى والبلدات المجاورة، التي كانت تتعرض لقصف من قوات النظام، مشيراً إلى أن ازدياد طلب الزبائن على مادتي الفول والحمص اللتين عادة ما يتم بيعهما إلى جانب الفلافل، دفعه إلى التعاقد مع أحد النازحين الخبراء في هذا المجال فأدخله شريكاً مقابل نسبة من المبيعات اليومية.

ولفت إلى أن شريكه الأربعيني "أبو محمود"، بعد مرور أقل من عام على عملهما معاً، اضطرته الظروف إلى مغادرة سوريا، تحت إلحاح أفراد أسرته، ليبقى أبو قاسم وحيداً في عمله، مشيراً إلى أن شريكه لم يبخل عليه بخبرته، وأنه علمه أصول المهنة وعمليات  تحضير الحمص والفول والمسبحة التي أدخل عليها بعض الإضافات التي زادت من "طعمها اللذيذ"، حسب وصفه. 

وأشار إلى أنه رغم صعوبة تأمين بعض المواد الأولية، كالحمص والفول والمحروقات، والطحينة، والزيت، كون بعضها يصل من مناطق النظام، إلا أنه تمكن من الاستمرار في عمله، لا بل ووسّع أنشطته، لافتاً إلى أن عمله كان في بداياته لا يحقق أرباحاً كبيرة، إلا أنه أبعد عنه وعن أسرته شبح الجوع وأمن لهم قوت يومهم.

وأضاف أن عمله شهد مراحل من التوقف، مع اشتداد قصف النظام على بلدته، وهجرة بعض الأسر وهروب الأسر النازحة، لكنه عاد وانطلق من جديد بعد تحرير المنطقة وسيطرة الثوار عليها، موضحاً أن مبيعاته ازدادت بشكل كبير، لاسيما أنه الوحيد في المنطقة الذي يتقن مهنة تحضير الحمص والفول، رغم وجود بعض المطاعم التي حذت حذوه.

وأشار إلى أنه بعد اتساع مبيعاته، انتقل إلى استئجار محلين في منطقة مكتظة بالحركة، وافتتح فرعاً آخر له، وعهد إلى ولديه وهما طالبان جامعيان، توقفا عن متابعة دروسهما، بإدارة الفرع الجديد، موضحاً أن مشروعه الصغير كبر وتنامى، وأمن خمس فرص عمل لأولاده، إضافة إلى ثلاث فرص عمل أخرى لأقاربه.

وأشار إلى أنه فتح العام الماضي فرعاً آخر لبيع الفروج المشوي، ومنتفة فروج، مؤكداً أن إشرافه على إدارة هذه المحلات، وتعاون أسرته بجميع أفرادها هو سبب نجاح عمله.

وحول رأسماله الذي بدأ به مشروعه، قال: "كنت قد وفرت 300 ألف ليرة سورية، وضعتها للطوارئ في حال فكرت في الهروب والنزوح إلى مكان آمن"، مبيناً أن العدة التي اشتملت على "ماكينة" لفرم الحمص ومولدة كهربائية مع بسطة صغيرة، كلفته نحو 150 ألف ليرة سورية، فيما اشترى باقي المواد من حمص وزيت بالتقسيط، سددها بعد تحسن مبيعاته.

وأوضح أن رأسماله الآن لا يقل عن سبعة ملايين ليرة سورية، بين معدات ثابتة ومواد مخزنة من فول وحمص وزيت وسيولة نقدية، وهو مبلغ يراه محترماً جداً في هذه الظروف الصعبة.

ويشير فاتح، 23 عاماً، وهو أحد أبناء أبو قاسم، إلى أن وضع والده المادي كان صعباً مع بداية انشقاقه عن النظام في بداية العام 2012، مؤكداً أن والده كان ينوي اللجوء إلى الأردن، لكن إصرار أبنائه على مواصلة تحصيلهم العلمي في سوريا، جعله يعيد النظر في مسألة اللجوء.

ولفت إلى أن قرار أسرته بالبقاء في سوريا، كان صائباً، مشيراً إلى أن الله، ورغم صعوبة الوضع المعيشي لغالب السكان، منَ عليهم برزق وفير، حسب وصفه.

وأضاف: "صحيح لم نكمل أنا وأخوتي تعليمنا الجامعي بسبب الخوف من الملاحقات الأمنية لكنا أسسنا مشاريع صغيرة حمتنا من الحاجة والفقر والجوع وأصبح لدينا سيولة مالية نستطيع من خلالها الانطلاق بمشاريع جديدة"، مبيناً أن اثنين من إخوته تزوجا العام الماضي واثنان سيتزوجان العام القادم.

 وأوضح أن تكاليف الزواج غطاها إنتاج مشروعهم الصغير، الذي يشارك في إدارته جميع أفراد الأسرة، لافتاً إلى أن والده الذي كان يقوم بجميع الأعمال، من تحضير مواد، وقلي الفلافل، في بداية إطلاق مشروعه، بات الآن مشرفاً على العمل، يقدم المشورة والملاحظات، بعد أن نقل خبرته في هذا المجال إلى أولاده وإلى بعض العاملين لديه.

يشار إلى أن سعر سندويشة الفلافل المكونة من ثلاثة أقراص فلافل وملحقاتها، يقدر بنحو 100 ليرة، فيما يبلغ سعر السندويشة  خمسة أقراص 150 ليرة سورية، أما سعر الكغ من الفول الجاهز فيصل  إلى ما بين700 و 800  ليرة سورية، والمسبحة إلى ما بين 900 و 1000 ليرة سورية. وهذه الأسعار تختلف في درعا بين منطقة وأخرى ما بين 10 و 15 بالمئة.

ترك تعليق

التعليق