أول من ابتكر العباءة النسائية في حماة.. "دبيك" أقدم حرفي نسيج لازال متشبثاً بنوله الخشبي


خلف نول قديم ورثه عن والده، يجلس الحرفي الحموي "محسن دبيك" في محل صغير بسوق المهن اليدوية وسط مدينة حماة متشبثاً بمهنة والده التي تعلمها قبل أن يبلغ العاشرة من عمره، وهي صناعة العباءات النسائية والشراشف والبرانص والبشاكير على نول خشبي قديم.


 واشتُهرت هذه المدينة منذ القديم بصناعة الغزل والنسيج على النول الخشبي، ومن الصناعات التي كانت تنتجها "الصايات" و"الديما" و"الملمس" والقماش المصنوع من الحرير الطبيعي المعروف باسم "السبعة ملوك" من النموذج الهندي.


 وتركّزت الأنوال الحموية فيما مضى في الأحياء المعروفة في المدينة كـ"الحاضر" و"زقاق العصيدة" ومنطقة "طلعة السبسبي" وحي"الباشورة" وغيرها.

 وتذكر المصادر أن عدد الأنوال في حماة بلغ /500/ نول في عام 1955 يعمل عليها أكثر من /800/ عامل وتناقص العدد إلى /370/ نولاً عام /1974/ وبدأت بالتناقص التدريجي فيما بعد حتى لم يبق منها إلا /13/ نولاً، ومع حلول شبح الحرب لم يبق منها إلا نولان.

 وبحسب دراسة للباحث "لطفي فؤاد لطفي" بعنوان (دراسة تاريخية لتطور مدينة حماة المعماري والعمراني)، "استخدم النساجون الحمويون الصوف والقطن والحرير وخيوط الفضة والذهب لتصنيع النسيج للأسواق المحلية والإقليمية وشكلت تجارة النسيج والحرف التابعة لها في حماة القطاع المهيمن الأكبر في الاقتصاد المديني".
 

وكانت الأنوال القديمة التي يعمل عليها النساجون الحمويون بسيطة تُصنع من الخشب وتعتمد على مد "السُدى" الذي يتشابك مع "اللُحمة" بخيط المكوك جيئة وذهاباً، وكان عامل النول منهم تبقى أطرافه السفلية في الحفرة، وغالباً ما كان النسّاجون يُصابون بالروماتيزم من جرَّاء ذلك.


 ويشرح دبيك بحماس أجزاء نوله القديم الذي يعود حسب قوله إلى زمن النبي شيت الموجود ضريحه في بلدة النبي شيت اللبنانية، وهي "الدفة" و"المطواية" و"الفوقانية" و"التحتانية" و"مرد السدة" و"مرد الطبق" و"النير" الذي يتألف بدوره من ست درقات وست دوسات و"المكوك".


وينتج الدبيك، 56 سنة، العديد من القطع النسيجية ومنها–كما يقول- المناشف العرايسي والبرانص وشراشف الغزل ومناشف الحرير لحمامات السوق (المبرد) الغزل للجواني ومناشف الحرير للبراني، إضافة للبشاكير بمختلف أنواعها وبرانص الأطفال للأولاد والبنات والمحير، والعباءات النسائية والكلابيات النسائية الحرير.


 وكشف محدثنا الذي يُعرف بأقدم حرفيي النسيج في حماة أنه كان أول من ابتكر العباءات النسائية من الحرير، مضيفاً أن الحمويين اعتادوا في الماضي على تغطية العروس ليلة زفافها بعباءة رجالية، وفي عام 2010 توصل -كما يقول- إلى نسج عباءة نسائية خاصة بالعروس تخرج بها إلى بيت زوجها وتظل عندها للحفلات بعد العرس وكذكرى جميلة من ليلة العمر.


 وأردف محدثنا أن العباءة التي ابتكرها "تشبه عباءة إمام المسجد وهي وإن كانت من الحرير إلا أنها تخلو من التطريز"، وأكد محدثنا أن مدينة حماة اختصت بهذه المهنة عن باقي المحافظات واشتهرت المدينة -كما يقول- بصناعة الأشغال الحريرية الموشاة بالقصب أو الخيوط الفضية وأقمشة الجوخ والثياب المحلّاة بالجوهر والزبرجد وتُسمى هذه الصناعة صنعة "القصبجية" أو "الألتونية"، وكان حرير الملمس يُصدَّر إلى مصر والسودان، كما تُصدَّر الحطات المقصّبة والسادة إلى الأناضول واليمن، وكان هناك إقبال من قبل اللبنانيين والأجانب على حد سواء على هذه المنتجات ولكن الحرب حالت دون ذلك-كما يقول- وأوشكت هذه المهنة الجميلة أن تزول–بحسب محدثنا– لعدم وجود جيل جديد يتعلمها لأن إيرادها قليل وتعلمها يحتاج إلى صبر وجهد ودأب شديد.


ويشرح الحرفي الحموي مراحل عمله على النول الخشبي التي تبدأ-كما يقول- بتجهيز خيوط القطن وصباغتها، ثم تأتي مرحلة التطعيم والطعم يتكون من الطحين والغراء اللذين يضافان للخيوط لتقويتها وإكسابها المتانة، ثم تأتي مرحلة "التسداية" أو فتل الخيوط وهي عملية جمع الخيوط بالعدد المطلوب وقد يبلغ عددها أحياناً 2000 خيط حيث يقوم بهذه المهنة بنفسه -كما يقول- بعد أن كان هناك حرفي مخصوص لها في الماضي يُدعى المسدي-كما يؤكد- أما الآن وبسبب تخفيف النفقات بات يعتمد على نفسه في هذا المجال، حيث يقوم بوضع الخيوط على دوارة كبيرة وفتله حتى بتماسك ويكتسب متانة ويخرج الخيط بعد هذه المرحلة على شكل شلل بتعداد وشكل معين حسب رغبة الحائك، وتأتي بعد ذلك-بحسب دبيك- مرحلة "النيارة" لتحديد النقشة ثم "اللقي" لإظهار النقوش فيما بعد وهي عملية إدخال الخيط على النول حيث تدخل الخيوط ضمن مشط مصنوع من القصب، والمرحلة الأخيرة -كما يبيّن محدثنا-الحياكة اليدوية وبعد إنتاج القطعة يتم ربط نهايات الخيوط من الطرفين وفق رسومات هندسية يدوية مثل "السمبوسكة" والسحب وحرف الصينية تليها مرحلة التطريز اليدوي والخياط النهائي.


 ولفت الدبيك إلى أن حركة البيع والإنتاج خفت في السنوات الأخيرة بسبب الحرب وارتفاع أسعار الخيوط وعدم وجود زبائن من خارج المدينة.


ترك تعليق

التعليق