إدلب.. أزمة المحروقات تتفاقم، ولا حل يلوح في الأفق


بين الحارات والأزقة الضيقة في مدينة إدلب، شمالي سوريا، يمكنك سماع أصوات هدير قوية تشبه صوت الطائرات الحوامة. لا تستغرب، فهنا يعود الزمن إلى الوراء، إلى أكثر من قرن من الزمان؛ حيث ستفاجأ بأن الصوت الذي تسمعه صادر عن بوابير الكاز التي يلجأ إليها معظم أهالي المحافظة كبديل عن غاز الطبخ.

عقب إغلاق الطرقات مع عفرين شمالاً، وحدوث حالة اضطراب دائمة جراء اقتتال الفصائل جنوباً، انقطع الذهب الأسود (النفط ومشتقاته) عن المحافظة نهائياً. ومع مرور الأيام تتضاءل الكميات المخزنة داخل مستودعات كبار تجار المنطقة. ومع كل انخفاض في الكمية هناك صعود في السعر، ما يعكس حالة الشلل الواضحة التي باتت خيوطها تهيمن على الوضع المحلي في المنطقة.


في دكانه الصغير تصطف أعداد من أجهزة التلفزيون من بينها جهاز البيت الخاص به، وكلها معروضة للبيع دون وجود أي زبائن لها، يوضح "أبو محمد" -صاحب الدكان- أن انخفاض ساعات اشتراك الكهرباء هو السبب. فمنذ ارتفاع أسعار المحروقات لأكثر من الضعف انخفضت ساعات الكهرباء من 3 ساعات إلى ساعة ونصف فقط.

حاجات البيت كثيرة وتحتاج جميعها للكهرباء، فاليوم الذي تعمل فيه الغسالة تفرغ المدخرة من الشحن، لأن قدرة الكهرباء لا يمكنها تحمل أكثر من جهاز كهربائي في المنزل، وذلك عقب موجة التقنين الشاملة التي يديرها المسؤولون عن مولدات الاشتراك حيث يلجأ هؤلاء لتخفيض الكمية بغية تقليل مصروف الوقود.

ونظراً لانقطاع الكهرباء عن إدلب فور خروجها من قبضة النظام بداية 2015، تتغذى المحافظة لتلبية حاجتها للتيار الكهربائي عن طريق مولدات ضخمة تتوزع بين الأزقة والحارات وهذه الأخيرة تحتاج لكميات كبيرة من الديزل، ما يجعل سعر الاشتراك مرتفعاً، إذ يدفع المشتركون مبلغ 2500 ليرة للآمبير الواحد شهرياً.

ولا تسمح الأحوال المادية لكثير من العوائل بزيادة سعر الاشتراك الشهري، لذلك يعمد أصحاب المولدت إما لتخفيض كمية الكهرباء أو عدد الساعات بينما توقفت بعض المولدات عن العمل لعجز الأهالي عن الدفع.


أبو محمد يرى أن اقتراب فصل الصيف ربما يحل جزءاً من المشكلة فالألواح الشمسية ستوفر بعض الطاقة اللازمة ومع ذلك، "ليس كل الناس لديهم القدرة على شرائها".

رجوعاً إلى بابور الكاز الذي عاد إلى الواجهة من جديد، يحاول الثلاثيني "أبو محمود" المحافظة على الكمية الضئيلة المتبقية من الغاز في جرته المعدنية ذات اللون الأزرق. ومع ذلك باءت كل محاولاته بالفشل. لذا وبحسب ما يوضح لـ "اقتصاد": "أصبح الاعتماد على بابور الكاز هو الحل لمشكلة الطبخ هذه الأيام".

اشترى أبو محمود بابوراً مستعملاً بمبلغ 2500 ليرة وعبأه بلتر من الكاز المكرر بمبلغ 550 ليرة. قال وهو يضع ملعقتين صغيرتين من البن إلى ركوة القهوة، "يمكننا التأقلم مع الوضع إلى حد ما. لكن في حال استمر ارتفاع الأسعار فسوف ألجأ إلى استعمال موقد الحطب".

يعمل بابور الكاز على كل شيء عدا الكاز إذ لا تتوفر هذه المادة التي كانت تأتي من مناطق النظام عبر معبر مورك، ويستعيض عنها الأهالي بالكاز المكرر المخلوط بمواد لا تعد ولا تحصى من النفطيات، وقد يلجأ البعض إلى استخدام المازوت الأوكراني القادم عبر تركيا بعد خلطه بكمية قليلة من البنزين المكرر.


البعض مثل الحاج "مروان"، لم يستعملوا بابور الكاز على الإطلاق. فمنذ انتهاء الغاز من جرات مطبخه صنع الحاج موقداً يعمل على الحطب كوسيلة لتوفير المال.

أزمة المحروقات أثرت أيضاً على أهم حاجة أساسية لثلاثة ملايين نسمة في إدلب، وهي الخبز.

العديد من الأفران الخاصة أغلقت أبوابها عقب الصعود الجنوني للمازوت الذي يعتبر عنصراً أساسياً في تشغيل أي منشأة حيوية في المحافظة.

بعض الأفران التي تشرف عليها المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية أنقصت من وزن ربطة الخبز، فبعد تجاوزها 1 كغ، غدا وزن الربطة؛ أقل بـ 300 غرام.

اختفاء المحروقات بأنواعها هدد أيضاً المرافق والمنشآت الحيوية كالمشافي والمستوصفات ومحلات اللحوم والأجبان والألبان ما ينذر بكارثة قادمة إلى المنطقة مع غياب أي بديل في ظل انقطاع التيار الكهربائي النظامي.

ترك تعليق

التعليق