قصصٌ من "صالة الجمهور" بحمص.. "الطاسة ضايعة"


المواطن السوري في حمص يقضي نصف نهاره منتظراً، ولكن ولأول مرة في صالة مكيفة.

ولتوفير الوقت والجهد، خُطط لهذا -المواطن السوري- في حمص، من أجل الحصول على أوراقه بأسرع وقت ممكن، فتم تجهيز الطابق الأرضي لمبنى مجلس المدينة، جانب مبنى المحافظة في مركز مدينة حمص، بصالة على الطراز الحديث من تدفئة وتكييف مركزي، وأُطلق عليها اسم "صالة الجمهور"، لتقدم الخدمات التالية:

- خدمة شرح المخالفات ورخص البناء.
- خدمة نفي الملكية.
- شرح المخالفات للعقارات المسواة.
- وثيقة غير موظف.
- وثيقة السجل العدلي (لا حكم عليه).
- تصديق مجلس المدينة على ختم المختار.
- فواتير المياه.
- فواتير الكهرباء.
- فواتير الهاتف.
- براءة ذمة مالية من مجلس المدينة.
- جباية مالية مخصصة لعقود الايجار.
- قطع ايصالات رسوم عقود الايجار.
- توثيق عقود الايجار.
- المصرف التجاري السوري.
- وثائق الشؤون المدنية.
- طلبات البطاقة الشخصية.
- واقعات السجل المدني.
- أتمتة السجل المدني.
- بعض خدمات المصالح العقارية (مخطط مساحي - بيان قيد عقاري ...) وسيتم توفير هذه الخدمة بعدما يتم الربط الشبكي واستكمال الموافقات اللازمة.


تقنيات وتجهيزات حديثة.. ولكن

رغم أنه تم تجهيز هذه الصالة لخدمة الفرد السوري، على الطراز الحديث، ولتوفير الوقت والجهد عليه، ولكن يمكن ملاحظة الاحتشاد الكبير، مما زاد من هموم سكان مدينة حمص، وأعادهم مجدداً لطوابير الانتظار، وعادت الفائدة - الرشاوى والمحسوبيات- على الموظفين والمسؤولين عن الصالة - والذين تم اختيارهم (بالفرازة)، وبالاسم، وبشكل انتقائي، وكالمعتاد لصالح فساد النظام ودوائره. فازداد دخلهم اليومي أضعافاً مضاعفة، ولكلٍ حصته.

حيث يتوافد يومياً على صالة "الجمهور" مايقارب الـ (2000) شخص، من أجل الحصول على أوراق لاستكمال معاملة ما. ويفرض الموظفون مبالغ إضافية. فعلى سبيل المثال، استخراج بيان عائلي الذي يحتاج إلى بضع ثواني يأخذ الموظف مبلغ (360) ليرة سورية، رغم أن التكلفة الرسمية الحقيقية لا تتجاوز أكثر من (150) ليرة سورية مع ثمن الطوابع، وتأتي الحجج "الخنفشارية" لتبرير الرشوة والفساد بحجة الازدحام وعدم توفر "الفراطة"، إذ لا يتم إرجاع حتى الـ 40 ليرة سورية المتبقية من "الـ 400 ليرة"، فتذهب لجيب الموظفين وشركائهم.


 مختار محلة تحت الطلب

ولتسهيل الإجراءات وختم بعض الأوراق، تم تعيين "مختار" من أجل وضع ختمه على بعض الأوراق كورقة إخراج القيد، فيأخذ مبلغ (150) ليرة سورية - وهي خطوة جيدة لتسهيل روتين لابدّ منه - من كل معاملة تحتاج إلى ختمه.

وهنا لا يخرج المختار في نهاية الدوام إلا وقد حصل على راتب شهر على الأقل في يوم واحد.


كوة النافذة الواحدة و"الطاسة ضايعة"

كما تشهد كوة النافذة الواحدة احتشاداً كبيراً لتسجيل الولادات والزيجات، والطلاق والوفاة، والبطاقة العائلية واستمارة الهوية.

ولكثرة الازدحام "الطاسة ضايعة كما يُقال"، والموظف "مو عارف مين عم يطلع وراق لمين".

وتسمع تعليقات متألمة وساخرة على ألسنة الناس "المنقوعة" في الانتظار لساعات طويلة، فيقول أحدهم: "الموظفون كالعادة استغلاليون والفوضى عارمة والواسطات شغالة، ومع أنه ناس ناطرة من الصبح ومعاملتوا ناطرة، ومعاملات تانية بيطلعلها جوانح و بتطير بيمشوها لحدا بيعرفوه". ولا حساب لكرامة الناس المنتظرين.


الزحام أمام صالة الجمهور حتى قبل بدء الدوام ولا استلام معاملات بعد الساعة 11 صباحاً

يصل الموظفون إلى صالة الجمهور الساعة الثامنة ونصف صباحاً، ويمكن ملاحظة الناس المنتظرة منذ مدة وبأعداد كبيرة. وريثما يتم تشغيل أجهزة الحواسيب يتم استلام ما يقارب 150 إلى 200 هوية من المنتظرين، ويتوقف الموظفون عن استلام أي هوية أخرى ريثما يتم الانتهاء من انجاز معاملات الهويات المستلمة.

يقوم الموظفون بتوجيه التنبيهات والتحذيرات للناس من عدم الضجر من الانتظار، حيث يدعي الموظفون أنه بمجرد الانتهاء سيسلمونهم معاملاتهم، وبأنه لن تسلم  المعاملات قبل الساعة الحادية عشر ظهراً، والادعاء الكاذب بأنه بعدها سيستلمون دفعة أخرى من الهويات.

ولكن كالعادة بعد الساعة الحادية عشر ظهراً يمتنعون عن استلام أي هوية للمراجعين المنتظرين لساعات طويلة.


الساعة 11.. موعد الغرام بين  معقب المعاملات والموظفين

يأتي هنا دور معقبي المعاملات الذين يأتون باكراً لحجز دور كوسيط مرضٍ عنه. وهم معروفون وعلى صلة مع الموظفين، فكل معقب يأتي وبحوزته عدد من الهويات لانجاز معاملات خاصة بأصحابها.

ويأخذ "معقبي المعاملات" الدور في الصالة، وعندما يحتج أحد الأشخاص من كثرة الوثائق التي أنجزت لمعقب المعاملات هذا،  يأتي الرد من الموظف" الزلمه جاي من الصبح، وحاجز دور تعال بكرى بكير من السبعة وحجوز دور وخلص وراقك".

وطبعاً لا يخفى على أحد كيف يتم سير معاملات المعقبين والمبالغ التي تدفع للجيوب الفاسدة.
 

وثيقة "غير موظف" مفتاح باب الشر
 
الاحتشاد والازدحام الأكبر في قسم النافذة الواحدة في الصالة، على نافذة إنجاز وثيقة "غير موظف".

والسبب الأساس للإقبال عليها يعود لإصدار كافة الجمعيات الخيرية في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام قراراً بمنع المساعدة عن الموظف.

وأصبح يتوجب على كل مواطن سوري إحضار وثيقة "غير موظف"، وإبرازها عند الحصول على المساعدة، فلاحظنا الازدحام الكبير للحصول على ورقة غير موظف بتكلفة (150) ليرة سورية، من كل مواطن غير موظف يحصل عليها.


أخطاء في بيانات "غير الموظف"

كثيراً ما يحدث أخطاء كبيرة في بيانات الحواسيب، حيث حصل بعض الأشخاص غير الموظفين على وثائق تفيد أنهم موظفون وتظهر سجلاتهم على الحاسب أنهم موظفون، كما حصل للسيد "عبد لله" وهو رجل عامل غير موظف عند توجهه إلى صالة الجمهور للحصول على وثيقة غير موظف، فأصدرت له وثيقة كتب عليها موظف، وعندما راجع الموظف المختص كان جواب الموظف، عليك مراجعة السجل العام للعاملين بالدولة في دمشق قرب فندق الشام.

شكاوى متنوعة

شكاوي كثيرة تداولها المراجعون لصالة الجمهور منها:

 - إغلاق الباب الرئيسي العريض والاستعاضة عنه بباب ثانوي جانبي صغير مما تسبب بازدحام.

- عدم تزويد الصالة بكراسي ترحم الناس من ساعات الوقوف الطويلة بانتظار استلام معاملاتهم.

- عدم الاعلان عن قيمة الايصال لكل معاملة ليتم التقيد بها من قبل الموظفين من دون زيادة وفق مزاج الموظف.

- الموظف يأتي صباحاً ومعه ما يقارب الـ 10 معاملات لأشخاص تخصه ويمتنع عن استلام أي هوية لأي مراجع ريثما ينتهي من انجاز ما معه.

- في كثير من الأحيان بعد ساعات انتظار طويلة يتم صرف الناس بحجة "مابقى فينا نستلم أي هوية جديدة فالهويات عددها كبير مامنخلص انجاز اوراقهم لنهاية الدوام".

- وفي أحيان يتم الإعلان عن إنقطاع شبكة الانترنت من المخدم بدمشق وبالتالي التوقف عن انجاز أي معاملة حتى إشعار آخر.

 توقف معاملات بسبب عدم تواصل الشبكات بين المحافظات

 عدم التواصل عبر شبكات الانترنت بين محافظة وأخرى، يكون سبباً أساسياً لتبقى الكثير من المعاملات معلقة، بحجة  عدم القدرة على الحصول على توقيع، أو موافقة، أو ورقة من محافظة أخرى.

فمثلاً، تشرح إحدى النساء حالتها، وهي مطلقة من حمص، أثناء تسجيل واقعة طلاقها، وتقديم طلب نقل سكن للعودة إلى سجل سكنها مع أهلها، فطُلب منها ورقة من سجل طليقها في درعا، ولعدم تواجد ترابط شبكي بين المحافظتين لم تستطع الحصول على الورقة المطلوبة فبقيت أوراقها معلقة غير قادرة على إنجازها.

وأخيراً

الكثير من الشكاوي قدمت إلى مسؤولي صالة الجمهور الذين اكتفوا بالوعود بتزويد الصالة قريباً بكراسي للانتظار.

ولسان حال المواطن يقول: "عوجة وياما حنشوف".

ترك تعليق

التعليق