500 لاجئ سوري في موريتانيا.. كيف يعيشون؟


ذات يوم من عام 2013، دخل الطبيب السوري اللاجىء–حسان- (اسم مستعار)، إلى وزارة الصحة الموريتانية في شارع "جمال عبد الناصر" بالعاصمة "نواكشوط"، للبحث عن عمل له كطبيب جراح، فقوبل بالترحيب وتم تحويله على الفور إلى أحد المشافي، وبعد مقابلة المدير تم قبوله وبدأ العمل في اليوم الثاني في قسم العمليات دون أن يطلبوا منه حتى صورة عن شهادة اختصاصه، وبقي الطبيب القادم من حلب يعمل عدة أشهر حتى إصدار عقده من الوزارة.

د.حسان، واحد من 500 لاجىء سوري تمكن الكثير منهم من تحقيق النجاح المهني والإندماج في المجتمع الموريتاني وإثبات ذاتهم سواء كانوا حرفيين أم أصحاب مهن علمية. ورغم تدني المستوى المعيشي في البلاد، تبدو أوضاع هؤلاء اللاجئين في هذا البلد الأفريقي، أفضل حالاً من أوضاع أقرانهم في بلدان اللجوء الأخرى.

 ولا يعدم الزائر أن يجد عمالاً سوريين في كل المجالات والميادين، انخرطوا في أسواق العمل للتغلب على الضائقة التي يعانيها الموريتانيون أنفسهم، غير أن شبهة التسول تلاحقهم بسبب من يمارسها من الغجر هناك.

بدأ اللاجئون السوريون بالتوافد على موريتانيا منذ العام 2013 عبر الرحلات الجوية القادمة من تركيا أو بيروت أو الجزائر، نظراً لسهولة دخول موريتانيا وعدم اشتراطها الحصول على فيزا بالنسبة للمواطن السوري، وللبحث عن "حماية أممية" لكونها محطة انتظار لإعادة التوطين.

 لكن تعثر اجراءات التوطين دفع ببعضهم للبقاء فيها. وتؤمّن الأمم المتحدة للسوريين الحماية القانونية كغيرهم من اللاجئين حسب قوانين الأمم المتحدة، كما تؤمن الطبابة والتعليم وبعض المساعدات- كما يقول عضو مجلس إدارة الجالية السورية في موريتانيا "عارف عريان"- الذي تحدث لـ"اقتصاد" مضيفاً أن هناك نوعاً من اللاجئين السوريين ممن يُطلق عليهم الغجر انتشروا في البلاد خلال الفترة الماضية واتجهوا لامتهان التسول كمرحلة أولى ليتمكنوا من الهجرة إلى أوروبا عن طريق الجزائر والمغرب بطرق غير شرعية.

 وأساء هؤلاء-بحسب محدثنا- لسمعة اللاجئين السوريين الذين لم يعتادوا هذه الظاهرة السلبية. ولفت عريان إلى أن تدفق مجموعات من النوّر في شوارع نواكشوط جعل سمعة السوريين تهتز. وأردف أن بعض ممثلي الجالية السورية طلبوا من هؤلاء أن يتركوا التسول ويتم مساعدتهم بتأمين أبواب رزق لهم، لكنهم رفضوا-كما يؤكد – أي عمل سوى التسول.

 وكشف محدثنا أنه ذهب مع عدد من أفراد الجالية السورية إلى مقر الحكومة الموريتانية مع الشاعر الراحل "ولد بلعمش"، وعدد من الحقوقيين والصحفيين، لطلب مساعدتهم من الحكومة الموريتانية واعتبارهم ضيوفاً لا مشردين. واستجابت الحكومة الموريتانية لطلبهم وبنت لهم مخيماً مؤلفاً من خمسين خيمة مفروشة كاملة مع منحة يومية لكل شخص 4000 ألف أوقية أي ما يعادل 13 دولاراً فرفضوا الدخول إليه أيضاً، وأصروا على التسول، وسلك بعضهم طرق الهجرة غير الشرعية؛ فيما لايزال آخرون يمارسون التسول إلى الآن.


 وأعرب محدثنا عن اعتقاده بأن قسماً من هؤلاء الغجر ليسوا سوريين، وإنما ركبوا موجة الحاجة واللجوء مستغلين كرم الموريتانيين وتعاطفهم مع القضية السورية.

ويقدّر مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين السوريين في موريتانيا بأقل من 500 فرد، يتوزعون في العاصمة الموريتانية نواكشوط وفي مدينة انواديبو (شمال موريتانيا) ويمارسون أعمالهم بشكل طبيعي ويسكنون في بيوت يستأجرونها -كما يقول عريان- مضيفاً أن "الشعب والحكومة الموريتانية يعاملون السوريين كضيوف وأخوة وليسوا كلاجئين".


 وتُعد موريتانيا –بحسب محدثنا - من أفضل الدول تعاملاً مع السوريين، وهي لم ترحل أحداً من اللاجئين كغيرها من البلدان، ولم تسكنهم في مخيمات، ويعيشون فيها كالمواطنين العاديين يبيعون ويشترون ويتملكون ويستثمرون ويقيمون مشاريع تجارية واقتصادية بدون أي قيود، ويزاول بعضهم أعمالاً مختلفة في أنحاء مختلفة من البلاد كإدارة المطاعم والمقاهي ومزاولة مهن الحلاقة والنجارة والحدادة، وبعضهم يمارس التدريس.

 وأردف محدثنا أن الأمم المتحدة تقدم للسوريين في موريتانيا قروضاً صغيرة بدون فوائد لممارسة أعمالهم ونشاطاتهم التجارية والمهنية.

"أ. ز"، لاجئة سورية تعيش في نواكشوط منذ سنوات، وتعمل كمدرسة للغة الفرنسية، لفتت إلى أن أغلب اللاجئات السوريات يعانين أوضاعاً صعبة نظراً لغلاء السكن وظروف الحياة بشكل عام. وتضطر الكثيرات منهن–كما تقول-للعمل من أجل سد المصاريف المعيشية، علاوة على الظروف المناخية الصعبة وارتفاع درجات الحرارة.

 وأكدت محدثتنا أن بعض اللاجئات في موريتانيا "يعانين من أمراض بسبب البيئة غير النظيفة وانتشار الأمراض بسبب الناموس والقمامة المنتشرة في كل مكان".

وكشفت محدثتنا أن زوجها مريض بالقلب وابنها يحتاج لعملية في الركبة ولكن تدني الإهتمام الصحي سواء من قبل مفوضية اللاجئين أو غيرها من المنظمات الطبية أو الإنسانية حالا دون تلقيهما العلاج، لافتة إلى أن كلفة العلاج في موريتانيا مرتفعة جداً وبخاصة في المشافي الخاصة فيما تفتقر المشافي العامة-كما تؤكد- للنظافة أو للكوادر الطبية المتمرسة.

ترك تعليق

التعليق