أسماك دمشق.. المشكلة القديمة المتجددة


تنتشر في شوارع العاصمة دمشق، لا سيما أسواق "باب الجابية وحي سريجة وشارع الملك فيصل وشارع الثورة والشيخ سعد"، "بسطات شعبية"، لبيع جميع أنواع الأسماك المُجمّدة والبحرية والنهرية. وتُباع بأسعار مُتفاوتة جداً، حيث من المُمكن أنّ يشتري المُستهلك كيلو سمك مُجمّد من نقطة بيع بسعرٍ ما، ومن أخرى مُجاورة بسعرٍ مُختلفٍ قد يكون أدنى أو أعلى.

تفاوت الأسعار بين البائعين يعود لنوع السمك من جهة ولتاريخ استيراده الذي قد يصل لأربعة شهور من جهة أخرى، بحسب ما قاله لـ "اقتصاد" السيد (أ ، ل)، أحد باعة الأسماك في سوق الشيخ سعد بمنطقة المزة، التي تتميز بجرأة جنون الأسعار.

وأضاف البائع أنّه بالإضافة لارتفاع كبير في تكاليف إنتاج الأسماك التي تعتمد على "وسائل الصيد من مراكب وشباك وعلف وأدوية بيطرية"، انخفض إنتاج "الاصبعيات" من مصادرها الأساسية في غالبية المحافظات بسبب خروجها عن الخدمة الأمر الذي أثّر سلباً في حركة السوق.

كما أنّ لتدهور الإنتاج المحلّي دور هام في اعتماد التجار على الاستيراد، وفتح أبواب واسعة لعمليات التهريب، حيث يتم استيراد السمك المُهرّب عبر البرادات الكبيرة عن طريق لبنان دون خضوعها لرقابة حكومية، وقد تكون مُخزّنة لمدّة طويلة، فيتم بيعها في بادئ الأمر بسعرٍ مُرتفع، ومدى بقائها في حافظاتها الثلجية يُحدد تدني سعرها، وحين يُفقد الأمل من صلاحيتها يتم بيعها عبر السيارات الجوالة بأسعار مُنخفضة جداً.

وأردف البائع أنّ مُشكلة الأسماك قديمة مُتجددة، واعتماد كامل السوق السورية من الإنتاج المحلي يقع على كاهل 200 مزرعة سمكية مُرخصّة موزّعة في مُحافظات حماه واللاذقية وطرطوس وهي ما تبقى من 650 مزرعة قبل عام 2010، أي قبل وقوع الحرب بعامين.
 
وختم بائع الأسماك قائلاً: "ممّا لا شكّ فيه أنّ سياسة الإهمال الحكومية الصادرة عن هيئة الثروة السمكية في نظام الأسد هي السبب الرئيسي في الوصول إلى تهديد كبير في انقراض الثروة السمكية التي من المُفترض أن تكون بديلاً أساسياً عن اللحوم الحمراء ذات السعر المُرتفع الذي لا يطيقه مواطنون الطبقة الشعبية".

تحتل أسماك الكرب بأصنافه العشبي والعادي والفضي والمشط والسللور والسلطاني، المرتبة الأولى في رغبة المُستهلك بالأسواق الدمشقية، يليها البلمدا والجرادي والبوري والمليفا والسفرني والقريدس والفريدي واللقوس والقطان والترويت.

وارتفعت أسعارها أكثر من ثمانية أضعاف منذ العام 2011، وبالعودة إلى بيانات وإحصائيات "الهيئة العامّة للثورة السمكية" فإنّ إنتاج الأسماك في عام 2007 كان 18 ألف طن وتراجع في عام 2011 إلى 7 آلاف طن، وفي 2013 ألفين طن لا أكثر لأسباب مُتعددة أهمها خروج الكثير من المناطق عن سطوة نظام الأسد.

ويُسجل سعر السمك الأرجنتيني المستورد "المُجمّد" في سوق سريجة وشارع الثورة 1750 ليرة سورية للكيلو الواحد والأردني 1650 ليرة سورية ووالكربال 3 آلاف ليرة والبوري 1400 ليرة والمرمور 2000 ليرة والبلاميدا 1500 والسردين ألف ليرة سورية، ويُضاف إلى هذه الأسعار بين 20 و30 % في أسواق "الشيخ سعد وشارع الملك فيصل". ويختلف السعر أيضاً بين متجر وآخر حسب قدم تاريخ التخزين، بينما تُباع ذات الأنواع في السيارات الجوالة بأقل من نصف سعرها المعروض في مراكز البيع الأولى.

وكان سعر السمك الأرجنتيني المستورد "المُجمّد" والأردني والمرمور والفريدي في عام 2010 لا يتجاوز 250 ليرة سورية والبوري 200 ليرة والسردين 100 ليرة.

جفاف الينابيع والأنهار وغياب المعامل المُتخصصة بإنتاج المادة العلفية ونُدرتها وارتفاع أسعارها وانعدام الأدوية الوقائية وتجاهل استيراد أصناف سمكية جديدة وتفريخها، وعدم استزراع مُسطّحات مائية وانعدام مخابر البحث العلمي للكشف المُبكّر عن الأمراض وارتفاع أسعار المحروقات، جميعها أسباب أدّت لعزوف المُربين عن مهنتهم ودفعتهم إلى الاعتماد الكُلّي على استيراد الأسماك بطرق قانونية أو تهريب، مُتجاهلين المصادر الحقيقية لها إن كانت فعلاً من الأرجنتين أو الإمارات أو عُمان أو غيرها، الأمر الذي يُنبأ بفقدان الأسماك كُليّاً من الأسواق الدمشقية خلال الأعوام القليلة القادمة.

ترك تعليق

التعليق