اقتصاد الخطف.. عصابات وثروات بمئات الملايين في السويداء


تحولت ظاهرة الخطف التي انتشرت بشكل جلي في محافظة السويداء، خلال العامين الماضيين، إلى مهنة للعصابات التي استغلت حالة الفلتان والفوضى وانتشار السلاح، ورأت في الاتجار بالبشر مصدر رزق يدر مئات الملايين.

وأفادت مصادر أهلية بأن الكثير من أفراد عصابات الخطف والسلب أصبحوا من أصحاب الثروات التي تقدر بالملايين، لا بل باتوا يتحركون بحرية تامة دون الخوف من أحد، وعلاوة على ذلك يحظى بعضهم بحراسة شخصية خاصة، حالهم كحال مسؤولي النظام.

الفدية من 100 ألف إلى 100 مليون ليرة سورية

قال "فادي مقلد"، صحفي من السويداء، في حديث لـ "اقتصاد": "في بادىء الأمر اعتمدت عصابات الخطف على مبالغ مالية صغيرة، فتراوحت فدية المخطوف ما بين (100) ألف ليرة سورية إلى مليون ليرة كحد أقصى".

واعتبر "مقلد" أن "حالة الفلتان وغياب المحاسبة ساهما بتمادي تلك العصابات، التي بدأت تطالب المدنيين بمبالغ مالية كبيرة وصلت لحد 150 مليون ليرة، لا بل وتفاوض عائلة المخطوف على المبلغ، كما لو كانت تفاوضهم على أثاث منزل أو عقار، الأمر الذي حول المواطن لسلعة تجارية يتم بيعه وشرائه".

عصابة المليار ليرة

أفاد "وائل الأحمد"، مسؤول في مكتب السويداء الإعلامي، أن عدد المخطوفين من السويداء، الموثقين بالاسم والتاريخ، خلال الأعوام من 2017 لمطلع 2018 تجاوز الـ 150 مدنياً.

وأضاف "الأحمد" في حديث لـ "اقتصاد": "بلغ عدد المخطوفين من درعا في السويداء كخطف مضاد أو بقصد الفدية (400) تقريباً، وبلغت قيمة المبالغ المدفوعة كفدية مالية من الطرفين حوالي مليار ليرة سورية".

وأشار "الأحمد" إلى أنه وعندما يكون الحديث عن الخطف لا نستطيع فصل محافظة درعا عن السويداء، وذلك لمتانة العلاقة بين عصابات المحافظتين، واشتراكهما في عمليات الخطف.

وتابع "الأحمد": "تفوق قيمة المبالغ المدفوعة كفدية مالية لعمليات الخطف المليار ليرة سورية، فتم توثيق ما يزيد على ألف حالة خطف وقعت خلال السنوات الأربع الماضية كان معظمها بقصد الحصول على المال".

من جيوب المدنيين في السهل والجبل.. تُجمع الفدية

تجمع عائلة المخطوف الفدية المالية التي تتجاوز الـ 50 مليون ليرة سورية، معظم الأحيان، بطرق عدة، ومنها دفع الفدية بشكل مباشر من الأسر الميسورة وفقاً لـ "وليد عزام"، محامٍ من السويداء.

وقال "عزام" لـ "اقتصاد": "تعتمد عائلة المختطف أيضاً على جمع قيمة الفدية عبر طلب المساعدة من الأقارب وخصوصاً المغتربين"، مشيراً إلى أن عمليات الخطف المضاد تطال أشخاصاً من جهة العصابة الخاطفة، وتبتز منهم قيمة الفدية وتدفعها للعصابة، وهي الحالة الأكثر شيوعاً حالياً في السويداء.

وأردف "عزام": "تسببت عمليات الخطف ودفع الفدية، بتدمير عائلات بأكملها، فهناك أسر أقدمت على بيع منازلها وسياراتها وممتلكاتها لدفع الفدية، وفي جميع الحالات هناك أسر قد أفلست مادياً، وتعيش في ظل ظرف اقتصادي سيء جداً".

الإتجار بالبشر

أفاد "ضياء شقير"، ناشط من السويداء، أن العصابات باتت تعتبر الخطف ربحاً سريعاً وسهل المنال، لذلك تحول الخطف لتجارة واسعة.

وأضاف "شقير" لـ "اقتصاد": "تتطلب عملية الخطف عدة أشخاص مسلحين وسيارة لنقل المخطوف ومكاناً لإخفائه، وهذا عمل بسيط للغاية مقابل المبالغ الهائلة التي تدرها هذه العمليات على أفراد العصابة".

وأوضح "شقير" أنه "ونتيجة للارتباط الوثيق بين عصابات درعا والسويداء تعمل عصابات السويداء على بيع المخطوفين من أبناء السويداء لعصابات في منطقة اللجاة أو محافظة درعا بمبلغ معين، لتقوم تلك العصابات بدورها بالتفاوض مع عائلة المخطوف وطلب الفدية، التي تتضاعف بشكل تلقائي نتيجة شراء العصابة للمخطوف بالمال".

ونوه "شقير" إلى أن المدنيين باتوا كالسلع بالنسبة لهذه العصابات مؤكداً على أن هذا الأمر لا يقتصر على المدنيين فقط، بل يمتد إلى ممتلكاتهم، فعلى سبيل المثال في حال اختطف المدني مع سيارته، فإن العصابة تفاوض على المخطوف ومن ثم على السيارة.

الجدير بالذكر أن عمليات الخطف بدأت بشكل فعلي منذ عام 2013، وكانت تطال بعض الأشخاص لغايات سياسية أو اجتماعية، وتطورت منذ عام 2014 لتتحول لعمليات بقصد جمع المال إلى أن أصبحت تجارة قوية وكثيفة منذ عام 2016، ونتيجة لتدهور الحالة الأمنية وكثرة العصابات والمليشيات المسلحة، ولسهولة عمليات الخطف في غياب الضوابط الاجتماعية والأخلاقية، والمبالغ الكبيرة جداً التي توفرها هذه العمليات بمدة قصيرة، ازدادت حالات الخطف إلى أن وصلت مؤخراً لحالة خطف كل 48 ساعة تقريباً.

ترك تعليق

التعليق