منافذ لتصريف مياه الأمطار تتحول إلى شرايين حياة للرقاويين


بعد تدمير طيران التحالف الدولي لجسر الرقة على نهر الفرات، راح الرقاويون يحرفون أجمل الأغاني في تراثهم وأشهرها فيقولون: "من فوق جسر الرقة سلم عليّا بيده ... ما قدرت ارد السلام خاف الطيار يصيده"، عوضاً عن "أخاف يقولون تريده"، تعبيراً عن شدة القصف وكثافته خلال فترة احتدام المعارك في مدينة الرقة ومحيطها.

ومع شروع الأهالي باستخدام الأنفاق تحت قنوات الري عوضاً عن الجسور فوقها، قد يحتاج المتندرون من أهالي الرقة لتحريف جديد للأغنية للتعبير عن حالهم إلى حين إصلاح جسور الفرات والبليخ وقناته، كون الأهالي يعتمدون حالياً على العبارات، وهي منافذ لتصريف مياه الأمطار أقيمت تحت القناة، سبق أن استخدموها للفرار من مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" خلال المعركة، رغم خطورتها لوجود الكثير من الألغام داخلها.

أحمد البريهو (40 عاماً) من أهالي الرقة، يقول إن أهالي في ريف الرقة الغربي يستخدمون العبارات الاسمنتية المخصصة لتصريف مياه الأمطار (أنفاق)  لعبور قناة البليخ ونقل مواشيهم ودراجاتهم النارية، وذلك بعد أن نظفوها من الوحل والردم بكلفة 200 ألف ليرة لتصبح نفق مرور.


فمنذ بداية معركة الرقة تم تقطيع أوصال المحافظة عبر تدمير الجسور على الطرقات وعلى قناة البليخ، التي تعتبر نهراً مستمر الجريان يقسم الريف الغربي والشمالي إلى شطرين، أقيمت عليها سابقاً جسور كثيرة تربط الريف الغربي والشمالي بمدينة الرقة وما يحيط بها من مزارع داخل القوس الذي تشكله القناة حولها، وفق البريهو.

(جسر سحل الخشب غرب الرقة - اقتصاد)

ويضيف البريهو أن تدمير التحالف الدولي للجسور خلال المعارك ضد تنظيم "الدولة" جعل من الصعب على السكان الوصول إلى مركز المحافظة، دون استخدام طرق زراعية أو أنفاق العبارات لاختصار السير لمسافات طويلة بغرض إيجاد منفذ،  كما يحصل حين يحاول أحد أبناء "الشامية" الوصول إلى المدينة، فيجب أن يسير عشرات الكيلو مترات كي يصل إلى سد "الفرات" ليقطع نهر الفرات باتجاه "الجزيرة" خاصة خلال تعطيل المرور فوق سد "البعث" بسبب أعمال الصيانة.

وأكد الرجل أن جسور الفرات الثلاثة إضافة لجسور "سحل الخشب" و"اليمامة" و"الفتيح" و"الرقة السمرة" مازالت مدمرة، بينما أصلح جسرا "الخريجة" و"الأسدية"، ليكون الأول منفذا وحيداً إلى الريف الغربي والثاني إلى الريف الشمالي.

(جسر اليمامة غرب الرقة- اقتصاد)

وذكرت "لجنة إعادة الإعمار" في المجلس المدني التابع لميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" أن مهندسيها نفذوا جولة على جسر المنصور(القديم) وجسر الرشيد (الجديد) على نهر الفرات جنوبي الرقة، وتفقدوا الأضرار التي أصابت جسم الجسرين الحيويين الذين يربطا المدينة بريفها الجنوبي (الشامية).

وقالت اللجنة على لسان المهندس نظمي محمد إن الدراسة الهندسية والجدوى الاقتصادية لإعادة تأهيل الجسرين تم وضعها ومناقشتها منذ حوالي الشهر، وهم بصدد الكشف الميداني لجسمي الجسرين للمباشرة باصلاحهما في القريب العاجل، دون ذكر التكاليف المتوقعة.

كما  أعلن المجلس  قبل أيام عن افتتاح جسر "الأسدية" شمال مدينة الرقة بعد إصلاحه بالتعاون مع قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وكانت طائرات التحالف هي التي دمرت هذا الجسر خلال المعارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" العام الماضي.

الجسور وعلى رأسها جسور "الرشيد" و"المنصور" و"المغلقة" على نهر الفرات، تعد أهم البنى التحتية التي لحقها الدمار في  الرقة، ما أعاق حركة المرور وعودة السكان لحياتهم الطبيعية، فهي تربط مركز الرقة بمدن وبلدات منطقتي الشامية بالجزيرة إلى جانب جسور "السباهية" و"الرقة السمرة" وغيرها من الجسور على نهر البليخ وقنوات الري.

وحسب الأرقام الرسمية فإن تكلفة بناء الجسر الجديد "(الرشيد) فاقت 20 مليون ليرة، فيما دفعت الحكومة السورية في أربعينات القرن الماضي مليون ليرة سورية للإنكليز مقابل الإبقاء على الجسر القديم (المنصور)، يضاف إليها نحو 15 مليون ترميمات في فترات مختلفة، وبالقياس على ذلك فإن إعادة بناء جسور الرقة ستكلف عشرات وربما مئات ملايين الليرات، على اعتبار أن قيمة الليرة السورية تراجعت نحو 10 أضعاف أمام الدولار الأمريكي خلال السنوات الخمس الأخيرة.

لهذا، فإن إعادة بناء جسور الرقة المدمرة يعتبر التحدي الأكبر في وجه عودة الحياة الطبيعية لمدينة عانت أعنف المعارك وعمليات القصف الجوي والصاروخي جراء العمليات العسكرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" والغارات الجوية لقوات التحالف الدولي خلال عامي 2016 و 2017.

ترك تعليق

التعليق