درعا.. جامعيون نجحوا في مهن حرة بعيدة عن اختصاصاتهم


لم يتوقع المحامي سامر اليوسف، ابن ريف درعا، أن تؤول به الأمور إلى هذا الحد من سوء الأوضاع الاقتصادية، ويتحول من محام ناجح، إلى بائع في محل للسمانة، بعد أن كان يملك سيارة ومكتباً فارهاً ودخلاً محترماً، يكفي جميع احتياجاته، واحتياجات عائلته المكونة من أربعة أفراد.

ويقول اليوسف إنه ترك مكتبه في درعا في العام 2013 بعد المضايقات العديدة من أجهزة مخابرات النظام، التي استدعته أكثر من مرة  للتحقيق معه في تهم كان أقلها التحريض على التظاهر وتمويل المتظاهرين، لافتاً إلى أن هذا الوضع تسبب له بقلق كبير، ودفعه إلى ترك عمله في المحاماة، والذهاب للإقامة في مدينته بريف درعا الشرقي.

وأضاف أنه كان لديه مبلغ محترم من المال، أنفق جزءاً كبيراً منه على احتياجات أسرته، وكله أمل أن تهدأ الأمور، ويعود إلى ممارسة عمله في المحاماة، لكن الأمور طالت كثيراً، فخاف أن ينفق كامل المبلغ. لذا فكر باستثمار باقي المبلغ حوالي 2 مليون ليرة سورية، في فتح محل سمانة، ليكون ضمانة له من الجوع على الأقل، وذلك بعد أن ساءت أوضاعه وأوضاع  الناس الاقتصادية بشكل كبير بسبب الحرب.

ولفت إلى أن الاستثمار في تجارة المواد الغذائية، هو من أفضل الاستثمارات في الظروف الحالية، لأن معظم المهن وجبهات العمل متوقفة تقريباً، مشيراً إلى أن دخله من المحل مقبول، ويكفيه احتياجات معيشته.

وعبّر عن أمله في أن تنتهي هذه الحرب، وتتوقف معاناة الناس، كما قال.

من جهته، أكد المهندس رضوان السعيد، 31 عاماً، وهو مهندس ميكانيك، أن الظروف المادية الصعبة أجبرته على البحث عن مهنة مقبولة، تقيه العوز والحاجة، ولاسيما في ظل محدودية الخيارات المتوفرة، فافتتح ورشة لتصليح السيارات والجرارات الزراعية.

وقال إن عمل الورشة مقبول، ولاسيما أنه الوحيد الذي يمتهن هذه المهنة في قريته، لافتاً إلى أنه أمّن فرصتي عمل لاثنين من أقاربه، واستطاع أن يحسن من أوضاعهما المادية رغم قلة الأجر الذي يدفعه لهما والبالغ 1500 ليرة سورية يومياً، لكل واحد منهما.

وأضاف السعيد أنه كان مهندساً ناجحاً في إحدى مؤسسات النظام، لكنه فقد عمله بعد أن اعتقله "حاجز طيار" بالقرب من مدينة درعا أثناء ذهابه إلى عمله، مشيراً إلى أنه أمضى في المعتقل أكثر من تسعة أشهر، ليقذف بعدها إلى الشارع، ويطرد من عمله.

وقال: "حاولت الخروج من سوريا، لكني عدلت عن الفكرة لأني لم أستطع تأمين نفقات السفر، فآثرت البقاء في بلدي، للاعتناء بوالدي العاجزين، اللذين لا معيل لهما سواي، بعد أن هاجر باقي إخوتي وأخواتي".

فيما يشير عبد الجبار، 39 عاماً، وهو مدرس جغرافيا سابق، إلى أنه افتتح محلاً لبيع الأعلاف، كلفه نحو 6 آلاف دولار أمريكي، لافتاً إلى أن دخله جيد في الوقت الحالي، بسبب تأخر نمو النباتات الرعوية حيث يزيد الطلب على الأعلاف.

وقال إن رأسمال المحل الجديد هو ثمن محل كان يملكه سابقاً اضطر تحت ضغط الحاجة لبيعه، واستثمار ثمنه في مشروعه الجديد، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية سيئة لمعظم الناس، وأن الفقر متفشي بشكل كبير في منطقته، بسبب عدم وجود فرص عمل.

وأضاف أن معظم القاطنين في المناطق المحررة، هم من الموظفين السابقين والعسكريين المنشقين والمزارعين، الذين فقدوا عملهم في وظائف الدولة بسبب تأييدهم للثورة، مبيناً أن معظمهم بات يمتهن مهناً بعيدة عن مهنته الفعلية، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وأصبحوا يقبلون بأي عمل يدر عليهم دخلاً مهما كان صغيراً بهدف تأمين لقمة العيش.

فيما أكد علي سفيان، وهو مدرس سابق لمادة الرياضيات، أنه بمساعدة أخويه المغتربين، استطاع أن يحسن من وضعه المعيشي، ويؤمن ثلاث فرص عمل لعائلات محتاجة، وذلك من خلال محل لبيع اللوحات الشمسية وأدوات الإنارة والطاقة، مشيراً إلى أن رأسمال محله المبدئي كان 15 ألف دولار، لكنه يصل الآن إلى أكثر من 35 ألف دولار.

وأشار إلى أنه كان من أول الأشخاص الذين عملوا في هذا المجال في منطقته، موضحاً أن الإقبال كان كبيراً على لوحات الطاقة الشمسية قبل ثلاثة أعوام، لكنه الآن تراجع بشكل واضح، بعد أن أصبحت معظم الأسر مكتفية من تلك اللوحات. 

وقال إنه افتتح بجانب محلات الطاقة، محلين للألبسة الجاهزة والمواد الاستهلاكية، وأن عمله رغم تراجع المبيعات يؤمن له مصاريف أسرته اليومية من طعام وشراب وبعض المصاريف الأخرى.

يشار إلى أن "نظام الأسد" قذف بعشرات الآلاف من موظفي المؤسسات الحكومية، من ذوي الشهادات العليا، إلى الشوارع، بعد اعتقالهم والتضييق عليهم بحجة مناصرة الثورة، حيث كانت حصة درعا الآلاف منهم، قسم منهم تشرد في بلاد اللجوء، وقسم آخر يعيش شظف العيش والحرمان، في بلد توقفت فيه معظم أشكال النشاط الاقتصادي.


ترك تعليق

التعليق