قمامة قومٍ عند قومٍ فوائدُ


ثَمِلٌ من سهرة الأمس، متّجهٌ إلى مكبّ القمامة، يحملُ كيساً كبيراً من الفضلات، ثمّ يرميها في حاوية الحيّ المتاخمة لبيته، في مدينة مرسين التركية، ويذهب إلى عمله..

 لم ينتهِ المشهدُ بعد..

 دقائق قليلة، يقفُ، أمام الحاوية، شابٌّ ثلاثينيّ، يُخرجُ من زاوية العربة الموصولة بدراجته النارية، سلكاً حديدياً، ثم يبدأ بتحريك أكياس القمامة، وإخراج ما تيسّر من عُلبِ البلاستيك، والزجاج، وبعض الكرتون، وبحركاتٍ سريعة، يضعُ كل صنفٍ في زاويته المخصّصة على العربة.. ويمضي على عجل.

أيام عدّة والمشهدُ يتكرّر يومياً.. وإن تغيّرت الوجوه، لكن يبقى الصباح برتابته هكذا، شخص يرمي فضلات المنزل، وآخر يجمعها ليعتاشَ منها بعد فرزها وبيعها للمعامل المخصصة بإعادة التصنيع، وكأن "قمامة قومٍ عند قومٍ فوائدُ".

بعد محاولاتٍ عديدة أقْنَعْنا من خلالها "أحمد" بأنّ حديثه معنا، ليس فضيحةً وعمله ليس عيباً، قرّر أخيراً أن يقول: "أجني، حوالي 100 ليرة يومياً من هذا العمل، ولا أخجلُ منه، لكنني، كنتُ خائفاً من الحديث لأن الشرطة التركية، تلاحقنا وتمنعنا من نبش الحاويات، لا أدري لماذا، هم يقولون: إنّ هذا العمل ليس حضارياً".

أحدهم همس مصحِّحاً: "تركيا تخاف من هذه الأعمال لأنها تعكس صورة سيئة للاجئ السوري، في الوقت الذي تتحدث فيه حكومتها عن أنّ اللاجئ يعيش بحال أفضل من غيره في دول اللجوء الأخرى".

أحمد، أبٌ لخمسة أطفال، هرب من مدينة حلب، قبلَ سنوات، وعندما ضاق به الحال في تركيا، وفشِل في قطع البحار أملاً بالوصول إلى ألمانيا، لجأ إلى هذه المهنة، مستعيناً بدراجته النارية، التي استدان ثمنها من شقيق له يسكن في الخليج.

يقول: "في بادئ الأمر، كنتُ أخجلُ صراحةً حين ألتقي بأحد من معارفي، وأنا منكبّ على حاوية القمامة، لكنّي فيما بعد أدركتُ أن هذا العمل، أفضل من الفقر، والحاجة إلى الناس، كما أن هذا العمل، لا يتطلّب رأس مالٍ ولا رخصة أو شيء من هذا القبيل..".

وعن وقت عمله، يقول "أحمد": "تُعدّ زوجتي القهوة صباحاً، ثمّ آخذ أولادي إلى المدرسة، وبعدها أبدأ بالعمل، أجمع البلاستيك، والكرتون، والزجاج (فوارغ)، من خلال التنقّل من حاوية إلى حاوية، عبر الدراجة، وعند الجمع، أضع كلّ صنفٍ في مكانه المخصّص في العربة، التي فصّلتها ووضعتها إلى جانب الدراجة، وهذا الأمر يساعدني عند المساء، فأضع كل صنف، مع صنفه في حديقة المنزل، الذي استأجرته بعيداً عن المدينة قليلاً كي لا أزعج الجيران، ولتأمين مكان واسع، وعلى نفس الترتيب، أعمل منذ الصباح، حتى الثامنة مساءً، لكن عند الظهيرة، أذهب إلى المنزل، أفرّغ الحمولة، وأذهب إلى المدرسة، أعيد أطفالي إلى البيت، ونتناول الفطور ثمّ أعاود العمل من جديد حتى المساء".

ما يشدّ الانتباه، رتابة جمعِ الأشياء القابلة للتدوير من الحاوية، حيثُ أن ممتهن هذا العمل، لا يجعل المكان المحيط بالحاوية يتّسخ، لأن أدوات العمل، من سلكٍ حديدي، ومنجلٍ لسحب الأشياء القابلة للجمع، تجعلُ أصحاب هذه المهنة، لا يستخدمون أيديهم في أغلب الأحيان.

قصص وحكايات

ولأن لكلّ مهنة، أحداث تروى، لابدّ وأن لهذه المهنة، الكثير من الأحداث، والتي غالباً ما تأتي غير مكتملة في صورتها الحقيقية، فهذا من يعثر على مصاغٍ ذهبي داخل حاوية، وآخر دارت به الأيام فحوّلته، من رجلِ أعمالٍ إلى جامع للمواد القابلة للتدوير، وآخر، في ذات المأساة، حولته الحرب، من أستاذ جامعي، إلى جامع للنفاياتٍ أيضاً، وأحدهم ترك المهنة ذاتها وصارَ تاجراً يحكي بالملايين.

عثر على الذهب في الحاوية

في "أديامان" جنوب شرقي تركيا، سلّم السوري "زكريا توتنجي"، قبل نحوِ سنة، حقيبة للشرطة التركية، تحتوي على مجوهرات، بقيمة 7500 دولارٍ أمريكيّ، عَثر عليها في حاوية للقمامة.

وقالت وقتها محطة "تي آر تي" التركية الناطقة باللغة الفرنسية، إن أسرة اللاجئ السوري جلبت حقيبة تحتوي على مجوهرات قيّمة لشرطة أديامان.

وذكرت وسائل إعلامٍ تركية وقتها أنّ زكريا، يعاني من مرض، وهو يعمل في جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير في مدينة أديامان وهو العمل الذي يقوم به يومياً.

رجل أعمال يجمع القمامة

وإن بدت قصّة "زكريا توتنجي" مفرحةً لمن عرف بها، إلّا أن قصة "نادر إبراهيم" الذي حوّلته الأيام، من رجلِ أعمالٍ إلى جامع للكرتون من حاويات القمامة في تركيا، قد تبدو مؤلمة بعض الشيء..

خسر كل رأسماله وانتهت به الحال للعمل في جمع الورق والكرتون على عربة يجرها في الشوارع، حتى بلا دراجة نارية..

صحيفة "حرييت" المحلية بطبعتها الإنجليزية، قالت، إن السوري "نادر إبراهيم": واصل عمله كرجل أعمال في تركيا أيضاً حين وصل إليها، إلا أن الدنيا دارت عليه بما لم يكن يشتهيه، فخسر رأسماله وسرقوه، وأصبح بلا أي حيلة، لذلك اضطر للعمل جامعاً للورق والكرتون، بأجر 100 ليرة تركية يومياً، أي تقريبا 34 دولاراً، بالكاد تكفيه وتكفي زوجته وابنيه، المقيمين مع أقرباء له في لبنان، وفقاً للصحيفة.

ليست القصة وليدة اليوم، إنما منذ أكثر من سنتين، وصاحبها يتقن 5 لغات، بينها الفرنسية والإنجليزية، كان قد تعلمها أثناء دراسة الاقتصاد في المغرب، ثم أقام مدة بعد التخرج في إسبانيا وإيطاليا، وفيهما تعلم لغتي البلدين، وبعدها اشتغل بأعمال تجارية في سوريا، إلى أن ترك حلب، بسبب القصف واستقر في تركيا.

تعرض نادر ابراهيم في "أدرنة" لعملية احتيال ممن كان يأمل أن يشاركوه عمله التجاري، واختصر ما حدث، بحسب وسائل الإعلام التركية، بعبارة: "نهبوا كل أموالي بحجة تأسيس عمل، وسرقوا أموالي"، فصبر على ما جرى وراح يتنقل بين الولايات التركية بحثاً عن عمل، إلى أن استقر بهذا العمل.

أستاذ في الإعلام ينتهي به الحال عند الحاوية

وقبلَ أشهرٍ أيضاً تداولت صفحات على موقع التواصل الاجتماعي، صوراً لأستاذ جامعي في الإعلام، يعمل بجمع النفايات في تركيا.

ويظهر في الصورة، الرجل الذي يدعى صلاح الدين عيسى وهو صحافي من مدينة عفرين وحائز على شهادة ماجستير في الإعلام، وهو يجمع النفايات في مدينة أزمير.

واكتفت وسائل التواصل بالقول: إن الصحافي لم يحظى بفرصةٍ عملٍ فانتهى به الحال إلى هذه المهنة.

ترك تعليق

التعليق