قهوة دمشق بلا عبق


لم تقتصر عمليات الغش في العاصمة دمشق مٌستهدفةً السلع الاستهلاكية الأساسية والرئيسية، إنما قد تجاوزتها لتصل إلى السلع الاستثنائية أو الثانوية كالعسل والبُن.
 
ورُبما الكثير من الدمشقيين وسكان العاصمة في هذه الظروف لا يرون مادّة البُن على أنّها سلعةً استثنائيةً بقدرِ ما هي أساسية يمكن اللجوء إليها في تحسين المزاح، تحديداً في ساعات الصباح الأولى أو في أوقات الاستراحة من العمل المُرهق والشاق بمختلف أشكاله.

العديد من مُصنّعي وباعة مادّة البن ابتكروا أساليب غش تتناسب مع الواقع الاقتصادي المُتردّي والقدرة الاقتصادية الضعيفة التي يُعانيها السوريون.

منذ أعوام تشهد مهنة تحضير البُن تطفلاً كبيراً بسبب ندرة العمل، ويجب أن تنحصر على أصحاب الذوق الرفيع كونها من أكثر المهن حساسيةً بحسب ما قاله لـ "اقتصاد" السيد (م , ب) صاحب محمصة لتحضير البُن في حي المناخلية بمنطقة دمشق القديمة.
 
ويُضيف أنّ عملية التحميص تَمرّ بثلاثة مراحل، "الفاتح والوسط والغامق"، بحسب ما يرتئيه الزبون، كما أنّه لا يُمكن تفضيل أي نوع في المبيعات بسبب اختلاف أذواق الزبائن.

وعن ارتياد الكثير من الشباب العاطلين عن العمل لهذه المهنة، عزا السيد (م , ب) ذلك لقلّة عدد المُستوردين الذي انخفض إلى 5 فقط من أصل 35 مستورداً كانوا يُمارسون هذه المهنة قبل العام 2011، وغياب المستوردين عن السوق نتيجةً لعدم استقرار سوق العملات وتأرجحها بالإضافة للحصار الاقتصادي وسوء مُعاملة الجهات المُصدّرة للمستورد ضماناً لتحصيل حقوقهم. وجميع المستوردين العاملين حالياً يحاولون المُحافظة على نكهتهم الخاصّة، وكُل مستورد يمتاز بنوعية مميزة عن الآخر ويُنتج خلطة خاصّة به قد تتكون من أكثر من نوعية بن. ولكن المُنتجات الشعبية المُتوفرة في الأسواق تحظى برواج أكثر وعمليات بيع أكبر بسبب فرق السعر بينها وبين المُنتج الأصلي المُستورد.

ويُضيف السيد (م ، ب) أنّ محلات البيع الصغيرة تُسعر مُنتج البُن الحر غير المُعبأ بحسب أهوائها بالأحوال العاديّة، وأحياناً يكون موازياً لسعر الماركات المعروفة، وتُخفض سعره بعد إضافة وسائل الغش إليه.

صانعو مادّة البُن في العاصمة يستخدمون بالدرجة الأولى مسحوق نواة التمر في عملية الغش بسبب احتوائها لنسبة قليلة من مادّة الكافيين ولونها القريب من البُن وغياب الآثار الجانبية لها، كما يستخدمون القضامة المطحونة والمُحمّصة وهذه الطريقة غالباً ما يتم اكتشافها من أبسط الزبائن بسبب ترسّبها بشكل كبير بعد غليان البُن، وتم تسجيل حالات نادرة في استخدام الشعير والحُمّص وبعض الأوراق النباتية.

غياب الجهة الرسمية المسؤولة عن تقييم وضبط جودة مادّة البن وضياعها بين الصناعة والتجارة، تُعدّ من أهم الأسباب التي تُتيح للمُصنّع التلاعب بالمادّة بحسب ما قالت لـ "اقتصاد" الطبيبة (س ، ر).

وتُضيف الطبيبة أنّ الزبون البسيط يتعرض لعمليات نصب وغش بمواده الاستهلاكية اليومية، ويبقى مُضّطراً لشراء ذات المواد في كُل يوم جديد بسبب الفقر الشديد الذي يُعانيه.

ولم تنتظر الطبيبة (س , ر) فقدان مادّة البن من كافة الأسواق في كُل بلدان العالم، في وقتٍ قريبٍ، بناءً على دراسة قرأتها، لتقرر استبدال القهوة بـ "النسكافيه"، علماً أنّها ترى نفسها من المُقتدرين مادياً. 

الدوائر الرسمية في نظام الأسد أعلنت عن تسجيل 60 ضبطاً عدلياً خلال العام الماضي، تنوّعت بين رفع سعر مادّة البُن وبين الغش والتزوير، وكانت أكثرها في أحياء المزّة وجرمانا والدويلعة والتضامن والمعضمية، لكن مُراقبين يتطلعون لرقم المضبوطات على أنّه رقم للتسويق الإعلامي لا أكثر، بينما الحقيقة تقول أنّ 90% من البائعين في دمشق سيتعرضون لمخالفات غش في حال أرادت دوائر النظام مُمارسة عملها بشكل نزيه بعيداً عن الرشاوى والميديا الإعلامية المُوجّهة والمُزّيفة.

وتتراوح أسعار البن في أسواق دمشق بين 3000 ليرة سورية لسعر الكيلو الواحد الشعبي، وترتفع تدريجياً بحسب صنفه لتصل إلى 7000 ليرة سورية ثمناً لسعر الكيلو الواحد من البن الممتاز.

أنشد لها الشعراء وتعلّقت بها قلوب العشاق، وهي عنوان لصباحياتٍ جميلةٍ نقيّة، وباتت المشروب الشعبي الأول حول العالم، إلّا أنّ شجع التجار وهواة الغش في دمشق يفرضون على الناس الاستغناء عنها واستبدالها بغيرها بعد أن جُرّدت من عبقها ونكهتها الحقيقية.

ترك تعليق

التعليق