كـ "الإيدز" في نظر لبنانيين.. كم خدم الوجود السوري اقتصاد الشمال!


هناك مقولة منتشرة في لبنان "بعد ماطلعنا الجيش السوري من الباب رجعلنا اللاجئ السوري من الشباك"، وهي عبارة اعتاد اللاجئ السوري أن يسمعها من المواطن اللبناني في مدينة "حلبا" في منطقة عكار بشمال لبنان، خصوصاً، وفي معظم مناطق لبنان عموماً.

الكثير من أبناء "حلبا" اليوم يُظهرون السوري بمظهر المنبوذ والمهان والطريد.

قبل أحداث الثورة السورية، كان السوري، عند الدخول إلى مدينة حلبا، يرى صور متعددة لأزلام النظام السوري ويافطات خط عليها عبارات العلاقات الأخوية بين الشعبين السوري واللبناني.

وكان قد أطلق على ساحة "حلبا"، شارع "الشهيد باسل حافظ الأسد"، في ما مضى. وكان أقيم في "منطقة عكار" شمال لبنان عدة تماثيل لـ "حافظ الأسد"، كلفت البلديات مبالغ كبيرة.

ولكن ما الذي تغير؟، فبعد بدء النزوح السوري إلى لبنان مع بدايات الثورة السورية، حينها وقف أبناء "الشمال" بما فيهم أبناء مدينة "حلبا" إلى جانب النازحين السوريين، وقدموا لهم المنازل. ولكن الى حين.

بعد ذلك.. ما لبثوا أن رفعوا الكرت الأحمر في وجه اللاجئ السوري وطالبوا بطرده، وباتوا ينظرون للوجود السوري في لبنان على حدّ تعبير بعضهم، كمرض "السيدا (الايدز)" الذي أصاب جسد لبنان.

بلدية "حلبا" تُحمّل السوريين مسؤولية تقصيرها في أداء واجباتها

شنت بلدية حلبا متمثلة برئيسها "عبد الحميد الحلبي"، هجمة شرسة تجاه الوجود السوري في مناطقها. وحيث أن مدينة "حلبا" هي مركز المحافظة وتتحمل عبء كل  مناطق "عكار والشمال"، نظراً لتمركز المؤسسات الرسمية فيها، فكيف بوسعها أن تتحمل أعباء (17) ألف نازح سوري، كعدد تقريبي للنازحين السوريين المقيمين في "حلبا"؟، بالإضافة لأعباء السكان المحليين اللبنايين؟،.. هذا ما يجري على لسان رئيس بلدية حلبا، الذي أكد أن البنى التحتية المطلوبة في منطقة حلبا غير متوفرة أساساً، وليس بمقدورهم تحمل تبعات النازحين ومسؤولياتهم.

 كما بيّن أن الأمور تتجه من سيء إلى أسوأ، وأن قراهم وبلداتهم بحاجة للإنماء وأنهم يدفعون من أموال الصندوق البلدي المستقل في سبيل سد احتياجات النازحين السوريين على حدّ زعمه.

وأضاف الحلبي في تصريحات سابقة له، أن الأمور بلغت مرحلة الذروة بسبب الضغط على البنى التحتية (غير الموجودة أساساً قبل الوجود السوري)، واستهلاك الشبكة الكهربائية. علماً أن وضع الكهرباء سيء جداً منذ عشرات السنين كحال لبنان عموماً، ويتم الاعتماد في مدينة حلبا بشكل أساسي في المنازل على الاشتراك الشهري بالإنارة بمولدات خاصة بتكلفة شهرية تتراوح بين 25 إلى 75 ألف ليرة لبنانية بحسب كمية الاستهلاك، وتتضمن 15 ألف ليرة لبنانية رسم اشتراك بالمولد، وهذا ما ينطبق على لبنان بشكل كامل.

أما المياه والطرق - مع العلم أن المياه في لبنان لم تكن متوفرة أيضاً كحال أغلب الخدمات الأساسية- فيعتمد اللبناني ومثله اللاجئ السوري على شراء الماء حيث يبلغ سعر (10) براميل مياه في مدينة حلبا 20 ألف ليرة  لبنانية (سعر صرف الليرة اللبنانية، كل 1 دولار = 1500 ليرة لبنانية).

كما رفض رئيس بلدية "حلبا" تكليف بلديته برفع نفايات النازحين السوريين، وأكد أن بلديته غير قادرة على جمع النفايات من شوارع "حلبا" ومخيمات السوريين، حيث أن حلبا كما يقول تتكبد شهرياً ما بين (18-22) مليون ليرة لبنانية كلفة جمع النفايات.

وطالب رئيس بلدية "حلبا" الأمم المتحدة بجمعها، فهو يعد نفسه غير مسؤول عن النازحين السوريين والمطلوب منه كمجلس بلدي جمع نفايات المواطنين اللبنانيين ليس إلا- مع العلم أنه تم تقديم كميون مجهز للنفايات سلم إلى بلدية حلبا بسبب الوجود السوري.

ورغم تعالي الأصوات من الجانبين السوري واللبناني بسبب تجمع النفايات، لكن ما من مجيب.. فبادر النازحون السوريون إلى حرق النفايات المتجمعة بأنفسهم.

وتطالب بلدية "حلبا" المنظمات الدولية بتوزيع اللاجئين السوريين وتخفيض وجودهم في مناطقها.

النزوح السوري سبب للانتعاش الاقتصادي والانتشار العمراني

على الرغم من الانتعاش الاقتصادي الكبير الذي شهدته مدينة حلبا بعد النزوح السوري، يطالب الأهالي بطرد السوريين. وتستمر تداعيات قرار عدد من بلديات عكار بإقفال تجمعات النازحين السوريين نزولاً عند طلب الأهالي واحتجاجاً -كما يدعون- على شح التقديمات من الجهات المانحة.

مع العلم أنه قُدم لمنطقة عكار مشاريع إنمائية عديدة، بسبب النزوح السوري إليها.

واستلمت البلديات والدوائر الرسمية اللبنانية أموالاً فاق حجمها ما تم منحه للاجئين السوريين بعشرات الأضعاف.

أمثلة لما قدم للبنان بسبب وجود اللاجئين السوريين في شماله

فمن الناحية الأمنية، قامت بريطانيا بإنشاء أبراج مراقبة في عكار على الحدود مع سوريا، مما شكل الضمانة لحماية الحدود اللبنانية من القصف السوري ولاسيما في منطقة وادي خالد.

أما من الناحية الخدمية، فقد قامت بريطانيا بتمويل (30) مشروعاً في قرى عكار خلال السنوات الثلاث الماضية في مجال إدارة مياه الصرف الصحي، وتحسين شبكة الصرف الصحي في قرى العماير، رجم خلف، خط البترول، الهيشة، الفرض، تل عباس الغربي، المجدل، كنيسة، وغيرها-حيث كانت هذه القرى لا تملك شبكة صرف صحي ولا تمديدات مياه، وإنما عبارة عن جور فنية تصب فيها مياه المجاري (وكلما امتلأت يتم شفطها بتكلفة شخصية من صاحب المنزل 15 ألف ليرة لبنانية).

أما على مستوى الزراعة فقد تم بناء قنوات الري والطرق الزراعية وغيرها من المشاريع المهمة في بلدات عدة (وكل هذه المشاريع قدمت للبنان باسم النزوح السوري باعتباره مجتمع مضيف).

المملكة المتحدة عبر منظمة (UKAid) تدعم في الوقت الحالي أكثر من (220) بلدية بمبلغ إجمالي يصل إلى (30 مليون دولار) على مدى سنتين ضمن برنامج دعم المجتمعات المضيفة، وأُشيع سابقاً أن بريطانيا ستقدم دعماً مادياً للاجئين السوريين إلا أن الدعم تحول إلى لبنان وبلدياته.

كما تم تزويد معظم قرى وادي خالد بمشروع إنارة الشوارع بالطاقة الشمسية وقدم هذا المشروع باسم النزوح السوري، وبتمويل من بعض دول الخليج العربي.

وفي إطار مشروع تحسين الوضع المعيشي لصغار مزارعي عكار الممول من الاتحاد الأوروبي وتنفيذ جمعية مدى وبإشراف المركز الزراعي في منطقة "حرار- شمال لبنان" والتابع لوزارة الزراعة اللبنانية، تم تنفيذ مشروع زراعة أشجار التفاح والكرز والاجاص لأربعة حقول مبدئياً كنموذج عن الزراعة المكثفة للأشجار المثمرة في منطقتي "جرد مشمش وجرد فنيدق".

تحسين الصرف والمياه في حلبا

أهم ما قدم لمنطقتي البقاع وشمال لبنان، وقد وصل هذا المشروع إلى مدينة حلبا، حيث تم توفير خدمات مياه عامة لسكان "حلبا" من خلال تحسين البنية التحتية، وتركيب عدادات المياه، وتعزيز القدرات الإدارية لمؤسسة مياه لبنان الشمالي، وهذا المشروع ممول من الاتحاد الأوروبي ونفذته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالشراكة مع منظمة "كونسرن" و"رلدوايد" وبالتعاون مع مؤسسة مياه لبنان الشمالي.

كل هذه الخدمات والمشاريع قدمت للشمال اللبناني المضيف للنازحين السوريين باسم النزوح السوري ومازالت أصوات الغضب والطرد توجه من اللبناني للاجئ السوري وبعض هذه الأصوات تقول: "مابدنا ينتعش الاقتصاد من ورا السوري يرجع ع بلده في مناطق بسوريا كتير آمنة وإلا ماكانت الناس رايحا جاي عالحدود".

 ويتردد أيضاً على ألسنة الكثير من اللبنايين "في قانون لازم يطبق عاللاجئ وبلبنان مش عم يتطبق، متل أنه عم يقبض المساعدات مابيحقله يشتغل ولازم يكون وجوده قانوني، بالأساس في عنا مشكلة اقتصادية وزادت بوجود السوريين أضعاف مضاعفة".

وأيضاً يُقال في الأوساط اللبنانية الشعبية: " كل الدول سواء عربية أو أوروبية أكبر مساحة من لبنان واقتصادها أقوى ياريت يستقبلوا اللاجئين عندن".

ويبدو أن حال اللاجئ السوري سيستمر في لبنان كشماعة لتبرير كل تقصير أو سرقات، وليكون حجة لأعمال "الشحادة" باسم مجتمع مضيف للاجئ السوري.

ترك تعليق

التعليق