السماء تنحبس في درعا.. لكن الشتاء لا يرحم النازحين فيها


كشفت كميات الأمطار القليلة التي شهدتها المنطقة الجنوبية خلال الأيام الماضية، هشاشة الوضع الإنساني، وحجم المعاناة الكبير، التي يعاني منها النازحون والمهجرون قسراً، في مخيمات النزوح المنتشرة في محافظة درعا.

وأشار ناشطون من درعا إلى أن مأساة النازحين في المخيمات تتكرر مع حلول فصل الشتاء من كل عام، في ظل عجز المنظمات الإنسانية والدولية عن القيام بأي فعل تجاههم.

ورغم قلة الأمطار هذه السنة، حتى الآن، إلا أن فصل الشتاء حلّ، كما في السنوات السابقة، ضيفاً ثقيلاً على النازحين في المخيمات، ليزيد من معاناتهم ويفاقم من مشكلات عيشهم، نتيجة غياب الخدمات الأساسية، التي بدأت تتراجع بشكل واضح، أو تكاد تتلاشى، مع  تراجع الدعم والمساعدات التي كانت تقدمها المنظمات الإنسانية. 

ويقول "أبو علي، 55 عاماً"، وهو أحد النازحين إلى مخيم زيزون في ريف درعا الغربي، إن أرض المخيم تتحول في الشتاء إلى برك من الوحل والمستنقعات، يصعب معها التنقل أو التحرك، لافتاً إلى أن الخيم بسبب طول استخدامها، أصبحت مجرد أسمال بالية، ولم تعد تُجدي معها أعمال الخياطة أو الترقيع نفعاً بسبب اهترائها.

وأضاف أن "النازحين يعيشون في المخيمات مآسٍ حقيقية، والكل يتفرج عليهم"، مبيناً أن الخدمات في المخيمات شبه معدومة، فليس فيها ماء نقي ولا كهرباء، ولا صرف صحي، ولا حتى مساعدات غذائية كافية. 

ويشير "عماد المحمد، 45 عاماً"، إلى أن العائلات التي تعيش في المخيمات هي من العائلات المعدمة، التي لا تملك أكثر من قوت يومها، موضحاً أن هذه العائلات أصبحت مجبرة على البقاء في المخيمات، لأنه لا خيار آخر أمامها، فبيوتها مهدمة، وإمكانياتها المادية معدومة، وهي غير قادرة على استئجار أي منزل في أي مكان مهما كان رخيصاً.

وقال: "إن الخيم مليئة بالوحل والأمطار، ومياه الأمطار تجرف الكثير من الخيم في كل عام"، مشيراً إلى أن بعض الأسر لجأت إلى بناء البيوت الحجرية والطينية، كخيار بديل، لكن هذه البيوت مكلفة أيضاً، وتحتاج إلى الأموال. والأموال غير متوفرة".

ودعا المنظمات الإنسانية وأهل النخوة من أبناء المحافظة والمحافظات الأخرى، إلى تقديم يد العون والمساعدة لهذه العائلات، التي فقدت كل مدخرتها مع استمرار فترة الحرب.

وتقول "أم عدي"، وهي نازحة من ريف دمشق، إن سكان المخيمات بشكل عام يعيشون أوضاعاً صعبة، "فلا يوجد شيء نستخدمه للتدفئة، ولا نملك مالاً لشراء الحطب أو المازوت، وكل ما نستطيع القيام به هو تجميع بعض أغصان الأشجار، والنباتات اليابسة،  والعيدان، لاستخدامها في التدفئة والطهي".

وأضافت أن أحد الخيرين من أبناء درعا، تبرع لها بنصف طن من الحطب، لكنه لا يكفي أكثر من شهر، مشيرة إلى أن أسعار الحطب ارتفعت هذا العام بشكل كبير، حيث يتجاوز سعر الطن الـ 70 ألف ليرة سورية، فيما يصل سعر برميل المازوت إلى أكثر من 100 ألف ليرة سورية، و"الناس ما معها مصاري تشتري".

الناشط أبو محمد الحوراني، دعا المنظمات المحلية والدولية للنظر بعين العطف لهذه العائلات، التي تعيش في أسوأ الظروف الإنسانية وأصعبها، بعد أن تقطعت بها السبل، مشيراً إلى أن فترة الحرب طالت كثيراً، "وليس هناك ما يشي باقتراب نهايتها".

وأضاف أنه حتى لو انتهت الحرب، فإن عودة بعض هذه العائلات إلى منازلها سيتطلب كثيراً من الوقت، لأن معظم المنازل مهدمة، وتحتاج إلى إعادة بناء وأعمال ترميم كبيرة، الأمر الذي سيحتم عليها البقاء في المخيمات فترة أطول، لذلك يتوجب على كل الفعاليات والمنظمات، أن تتحمل مسؤولياتها الإنسانية أمام هذه العائلات، التي لم تعد تملك أدنى مقومات الحياة البشرية.

ويقول "أبو سمير، 55 عاماً"، وهو أحد النازحين من مدينة الشيخ مسكين التي تحتلها قوات النظام والميليشيات الطائفية، أن منزله سوته الطائرات الحربية بالأرض، وأنه يحتاج إلى إعادة بناء من جديد، لافتاً إلى أن المخيم سيصبح مكان إقامته لفترة طويلة على ما يبدو، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها.

وقال: "لقد تعودنا على العيش في المخيم، لأنه لا بديل أمامنا عن ذلك، فالسكن في مناطق أخرى يحتاج إلى المال، وأنا لا أملك المال، ومثلي مئات العائلات"، مشيراً إلى أنه في بداية نزوحه، تنقل بين مراكز الإيواء والمدارس والبيوت المستأجرة، لكنه لم يعد يستطيع استئجار منزل بعد ارتفاع أجور البيوت، التي وصلت في حدها الأدنى إلى 25 ألف ليرة سورية.

يشار إلى أن مئات العائلات التي شردتها الحرب، مازالت تعيش منذ أكثر من ست سنوات في مخيمات النزوح في محافظة درعا، في ظروف إنسانية مزرية، وأن هذه العائلات هي من قرى وبلدات هدمها النظام فوق رؤوس ساكنيها، ويتحدر معظمها من الشيخ مسكين ودرعا البلد وعتمان وخربة غزالة، إضافة إلى بعض النازحين من حمص وريف دمشق والقنيطرة.

ترك تعليق

التعليق