في أقدم العواصم.. تختلف أساليب الغش والهدف واحد


تربع الغش بمختلف أشكاله على عروش كافة الأسواق الدمشقية الشعبيّة التي يلجأ إليها أصحاب الدخل المحدود والمعدوم والعائلات الأكثر عوزاً وفقراً في أقدم عواصم العالم، والتي باتت ترزح تحت وطأة ميديا إعلامية هي أقرب إلى الإعلانية المُزيّنة للواقع والمشوهة للحقائق وبعيدةً عن كونها وسائل ضغط تدفع لتنشيط المؤسسات العامة المعنية بالتخفيف عن المستهلك ورادعةً للتجاوزات والفساد.

من غش "النواشف" من الألبان والأجبان والطحينة والحلاوة إلى غش اللحوم وأطعمة المطاعم ومروراً بالدقيق وإنقاص الأوزان وصولاً إلى الخبز والمحروقات وأجور النقل العام والخاص وبيع المواد منتهية الصلاحية وغير الخاضعة للرقابة التموينية والخارجة عن مقاييس ومعايير الجودة، وختاماً، البيع بالسعر الزائد عن السعر الحقيقي.

حوالي 5600 ضبط تمويني مُخالف خلال العام الفائت، أعلنت عنها مديرية "حماية المستهلك لدى نظام الأسد" و675 ضبطاً تم تسجيلها في مخابز القطاع الخاص، و50 ضبطاً لبيع مواد مُنتهية الصلاحية وحوالي 75 ضبطاً لمنشآت صناعية و30 ضبطاً لبيع لحوم فاسدة، بحسب ما أكّده لـ "اقتصاد"، السيد (ح , ع)، أحد التجار في سوق البزورية في دمشق القديمة.

وأضاف السيد (ح ، ع) أنّ المضبوطات المُخالفة غالباً ما تُسجّل بحق التجّار الصغار الجُدد الجاهلين لأساليب الغش والتزوير والذين بدأوا بممارسة الغش بسبب صعوبات الحياة، فشتان ما بين ضبط يُسجل في متجر صغير لبيع اللحوم وبين آخر يجب أن يُسجل في مسلخٍ كبير.
 
ويُردف التاجر (ح ، ع) أنّ التجار الكبار في دمشق أمام فرصة لا يمكن تعويضها، فهم يستثمرون فوضى الأسواق التي تُعدّ أهم العوامل لجني أرباح مُضاعفة، ويستطيعون الهروب من ضبط المخالفات بأساليب مُختلفة أولها الخبرة في عمليات الغش وآخرها الرشوة لموظفي ضبط الفساد.

تَذبذب سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق منذ مطلع الشهر الماضي، لكنّه وبكل أحواله، انخفض عن سعر 500 ليرة ووصل إلى 425 وما زال يُراوح بين 450 و470 وبالتالي انخفضت قيمته 15%.

ومازال الشارع ينتظر نتائج انخفاض سعر صرف الدولار ومدى انعكاساته على أسعار السوق لا سيما المواد الحياتية المُستهلكة بشكل يومي بحسب السيدة (ن ، ق) القاطنة في حي المجتهد، والتي أكدّت عدم انخفاض سعر أيّ مادّة سوى الخضروات، أمّا بقيّة المواد كـ "حليب الأطفال مثلاً" ما زالت تُحافظ على أسعارها المُرتفعة كُلّياً.

أغذية الأطفال أو ما يُسميها السوريين "أكلات طيبة" إحدى أهم المواد المُحققة لربح كبير ومُضاعف.

السيد (ف , ت) صاحب متجر جملة في سوق ركن الدين الشعبي، أكّد لـ "اقتصاد" أنّ المنشآت الغذائية المُصنّعة لأغذية الأطفال تقوم بخفض وزن المادّة وبالتالي تُحقق ربحاً مضاعفاً، فهي بطبيعتها رفعت أسعارها بموجب سعر الدولار الأمريكي إلى عشرة أضعاف وتجني من خلال خفض وزن المادّة ربحاً إضافياً من الصعب تحقيقه في أسواق مُستقرّة ومُنضبطة قانونياً.

كما أنّ غالبية المواد المُعبّئة ينقص وزنها عن الوزن المُدوّن عليها كالأرز والطحين والبرغل والحمص والفول.

وأغذية الأطفال المُعبئة يدوياً ومجهولة المصدر، باتت تُباع في الأسواق أكثر من المواد المُرخّصة، وتلقى إقبالاً كبيراً بسبب سعرها المنخفض نسبياً بحسب السيد (ف ، ت).

في عاصمة تغلبت عليها الرشاوى والفوضى والمصالح الشخصية الضيّقة المُعنونة بشعار "حكلّي لحكلّك"، من الصعب أن تلتقي فيها وجهة نظر المستهلك ورؤية التجار.

السيّدة (أ ، ذ) قاطنة في حي برزة، متزوجة ولديها خمسة أطفال قالت لـ "اقتصاد" إنه ليس لديها أيّة مُشكلة في غش المواد الثانوية كالحلويات التي يُقال أنّها بالسمن العربي وهي بالزبدة الصناعية، أو بالفستق الحلبي وهي بالفستق المصبوغ، أو الألبسة التي تُباع على أنّها ماركات عالمية وهي تصنيع ورشات شعبية محلّية، أو بيع لحم الأبقار على أنّه غنم، أو غش السمك الفاسد الذي يُباع زوراً "طازجاً"، أو القضامة الناعمة التي تُباع على أنّها قهوة، أو المازوت المخلوط بالمياه وسائل الجلي.

لكن مشكلتها تكمن في غش الحليب المُضاف إليه كميّات من الماء، وغش اللبنة والجبنة المُضاف إليها نشاء، وغش الزعتر المُضاف إليه نشارة الأخشاب، وغش الأرز والبرغل والعدس المُضاف إليها الملح، فهذه المواد بالنسبة للسيدة (أ ، ذ) أساسيات يومياتها وحياة أطفالها التي لا يُمكن الاستغناء عنها.

بين غياب تناسب القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وغش المواد لترويجها وبيعها بسعر خفيف وبشكل سريع، يضيع التاجر الغر بين تفاصيل الضبط التمويني، ويجني التاجر الكبير "ذو الخبرة"، أرباحاً رُبما لم يتصور تحقيقها، ويبقى المواطن هو الهدف الرئيسي لاستهلاك كُل ما هو مغشوش بالنسبة للتاجر الكبير والصغير و"الحكومة" المُستفيدة من الجميع.

ترك تعليق

التعليق