زواج المصلحة في العاصمة، بين الرغبة والواقع!


يُعاني المقبلون على الزواج في العاصمة دمشق ظروفاً صعبة خلّفتها آثار الحرب الدائرة في البلاد منذ أعوام، فاستُهدفت الحدائق والمنتزهات التي جمعت شتات العشاق على مقاعدها، وباعدت المسافات بين "الخاطبين" و"العاشقين"، لتبرز قصص مأساوية لا يُمكن نكرانها أو تجاوزها، ابتداءً بزواج القاصرات ومروراً بارتفاع سن الزواج وتفشّي "ظاهرة العنوسة" وانتشار ثقافة تعدد الزوجات، ليبقى المقبلون على الزواج هم الحلقة الأضعف في مسلسل الصراع القائم.

غياب الطبقة الاجتماعية الوسطى وسّعت الشرخ في مراسم الزواج، ففي وقتٍ تنتشر فيه الأعراس الباذخة بكلِّ مراسمها عند بعض الشرائح الاجتماعية كحفل زفاف التاجر "ميشيل سلوم" الذي أُقيم مؤخراً في "منتجع يعفور" وبلغت تكلفته مليون دولار أمريكي، تغيب هذه المراسم عند شريحة الفقراء التي باتت تُمثل غالبية المجتمع.

وانعدام فرص العمل لدى الشباب فرض ظاهرة "زواج المصلحة" ولاقى رواجاً خلال الحرب، كما كان بوابةً لحياةٍ سعيدةٍ أو مفتاحاً للسفر خارج سوريا.
 
لم تنجح محاولات الفتاة (غ ، ح) البالغة من عمرها 35 عاماً، وتعمل مُدرّسة رياضيات في المدارس العامّة، تقطن في منطقة "المزة 86"، بالحصول على عريس سوري موجود في أوروبا. وتقول لـ "اقتصاد" إن مُعظم صديقاتها تزوجن من أقاربهن خارج سوريا، وهي محاولة للهروب من واقع مأساوي تعيشه الإناث.

وتُردف: "اليوم سُدّت في وجه الإناث كافة الطرق، فعدد الذكور تدنّى كثيراً أمام عدد الإناث، الأمر الذي يستثمره الشاب الراغب بالزواج بأخذ الوقت الكافي لاختيار زوجة المستقبل".

وتستثمر الفتاة (غ ، ح) أوقاتها بالعمل وتقديم دروس خاصّة في مادّة الرياضيات ولا مانع لديها من الزواج بشاب فقير جداً ولو صغرها سنّاً ومستعدّة لتقديم مصاريف الزواج بأكمله بحسب وصفها.

رجالٌ يملكون المال الكثير ويستطيعون تأمين كافة مقومات الزواج من ذهب ومنزل ومهر كبير ومُستلزمات حفل الزفاف ذات المُتطلبات الواسعة التي لا تنتهي، استغلوا الظروف المعيشية السيئة للناس، وقرروا قطف القاصرات قبل نضوجهن، ولديهم فرص كبيرة نتيجة عزوف الكثير من الشباب عن الزواج لأسباب الفقر أو الخدمة الإلزامية في صفوف "قوات الأسد" الأمر الذي يجعل من فرص موافقة الفتيات على زواجهن مُتدنية جداً.

الفتاة (م ، ر) ذات الخمسة عشر ربيعاً من سكان حي الزهور بدمشق، لم تتخل عن أحلامها المُبكّرة في حياةٍ مُزدهرةٍ بالبحبوحة، فلم تتردد بالزواج من رجل يكبرها عشرين عاماً، لا بل كانت الضاغطة على أهلها للموافقة على الزواج، وقد وضعت نفسها بمُقارنةٍ بسيطةٍ مع إحدى صديقاتها التي تزوجت بمهرٍ "مكتوبٍ على ورقة العقد" لا أكثر، واختصر عريسها الكثير من طقوس الزواج المُتعارف عليه، وقدم لها محبساً من الحديد المطلي بالذهب أو ما يُسمى بـ "الذهب الروسي"، وحصلت على "الجهاز" من ثيابٍ بسيطةٍ جداً، واحتفالٍ رمزيٍ في منزل أهله.

وبالنسبة للفتاة (م ، ر) فإنّ الرجال المُقتدرون مادياً أصبحوا نادرين، وتُعُدُّ نفسها محظوظةً جداً وتعيش السعادة بسبب زواجها من رجل ميسور الحال.

بدوره، (ع، ل)، يقطن في حي الميدان ويعمل سائق تاكسي عمومي، وحاصل على إعفاء من الخدمة الإلزامية في صفوف "قوات الأسد" بسبب عدم وجود أخوة شباب له، وبالرغم من بلوغه 36 عاماً حذف الزواج من قاموس حياته كُليّاً بحسب ما قاله لـ "اقتصاد".

الشاب (ع ، ل) تكلّم لـ "اقتصاد" وفي قلبه غصّةً رُبما لا يفهمها ويشعر بها إلّا من يعيشها في واقعٍ أليم وقال إنّ سعر غرفة النوم البالغة بين 600 و800 دولار لوحدها تُثير الرعب في "جيبه الخالي"، وتكلفة الحدود الدُنيا من تجهيزات الزواج، يؤكّد الشاب أنّها لا تقل عن 2500 دولار أمريكي، حيث يبلغ ثمن البراد المُستعمل 300 دولار وثمن الغسالة المُستعملة 300 دولار، ولا تختلف أسعار المكواة والتلفاز والفرش ومُستلزمات المطبخ والحمام وغيرها من الأمور التي قد نراها جانبية عن أسعار البراد والغسالة، وتبلغ تكاليف حفل زفاف بسيط أكثر ألف دولار وثمن "محبس" ذهب لا يقل عن 400 دولار في حين لا يستطيع تأمين 100 دولار شهرياً من وظيفته الحرّة في أعمال البناء.

ويتساءل الشاب أنّه يملك منزلاً ويشتكي، فكيف هو حال من سيتزوج في منزلٍ يبلغ أجاره الشهري 100 دولار؟!

استطاع الشاب (ج ، ف) البالغ من عمره 25 عاماً، ويقطن في حي دف الشوك الشعبي، إقناع فتاة في الخامسة والثلاثين من عمرها بالزواج منه مع مراعاة ظروفه السلبية، فألغيا من مفردات طقوس الزفاف الذهب وثوب العروس والضيافة والزّفة وصالة الأعراس والزينة واستئجار السيارة الفخمة، واكتفيا بحفل زفاف بسيط في إحدى الأقبية المُخصصة موقفاً لسيارات البناء، وفي المقابل ألزم نفسه بمبلغ كبير في المُقدم والمُؤخر بعقد الزواج بما يعرفه السوريين بـ "الغير مقبوض".

أمّا العائلات التي امتنعت عن فكرة تزويج بناتهن في ظروف الحرب الأولى، وبسبب افتقادها لضمان انتهاء الحرب في سوريا بوقتٍ قريبٍ، فقد أُجبرت مع مرور الوقت ووفقاً لذات الظروف على تقديم التنازلات والتسهيلات للعريس.

لكن، "شبح العنوسة" يتمدد، وينتشر كوكب زُمرّدة المُتمثل بقرى محافظة طرطوس إلى كافة المناطق السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد وفي مُقدّمتها العاصمة دمشق أكثر المناطق السورية أمناً.

ترك تعليق

التعليق