البطانيات والحرامات.. ملابس شتوية في درعا


يرتدي الطفل هشام ذي العشر سنوات "بيجامة" شتوية ثخينة القماش مخاطة بحرفية واضحة، ومزينة عند القبة والكمين بقماش من لون آخر، تبدو عليه علامات القدم.

ويقول  هشام إن "البيجامة" هي من تفصيل وانجاز والدته، التي تعمل خياطة في إحدى بلدات ريف درعا الغربي، لافتاً إلى أن قماش البيجامة هو عبارة عن بطانية، من تلك البطانيات التي وزعتها المنظمات والجمعيات على الأسر كمساعدات قبل عامين.

وتشير أم هشام، وهي زوجة معتقل منذ نحو 5 سنوات، إلى أن الظروف المادية الصعبة التي تعيشها، دفعتها إلى استخدام كل ما هو متاح من أجل تأمين معيشة أطفالها، لافتة إلى أن حاجة أولادها إلى الملابس دفعتها لإعادة تفصيل الملابس القديمة التي كانت بحوزتها أو تلك التي تقدم إليها كمساعدات.

وأضافت: "في الشتاء الماضي أخبرتني إحدى الصديقات أن الخياطات في بعض المناطق السورية يخطن البطانيات والحرامات، ذات اللون الواحد، كملابس شتوية"، مشيرة  إلى أن الفكرة راقت لها، فقامت بجمع ما عندها من بطانيات، وبدأت بتفصيل ملابس شتوية لأطفالها بداية الأمر.

وقالت إن هذه الفكرة لاقت استحسان الكثيرات من النساء في منطقتها، لأن معظم الناس يعيشون بنفس الظروف، مشيرة إلى أن هذا العمل فتح لها باب رزق جديد، حيث بدأت تخيط البطانيات كملابس شتوية، مقابل أجر يزيد وينقص حسب حجم القطعة.

وأضافت أن "لكل قطعة أجر محدد، فمثلاً في ملابس الأطفال تتقاضى عن كل قطعة 500 ليرة سورية، والرجال نحو 1500 ليرة سورية، فقط أجرة التفصيل والخياطة، هذا إذا أحضر الزبون القماش"، مؤكدة أن عملها متعب جداً لأن تشغيل "آلة  الخياطة" تقوم به يدوياً لعدم توفر الطاقة الكهربائية في المنطقة.

وقالت إن عملها هذا أصبح أحد أهم موارد رزقها، حيث استطاعت من خلاله تحسين وضعها المعيشي، وشراء بعض احتياجات منزلها الضرورية، مثل لوحات الطاقة الكهربائية واكسسواراتها، مشيرة إلى أنها تفكر بشراء مولدة كهربائية لتشغيل آلة الخياطة التي تستخدمها.  

وأشار محمد القاسم، 35 عاماً، وهو خياط، إلى أن مهنة الخياطة وتفصيل الملابس القماشية شهدت بعض التراجع  في منطقته، لافتاً إلى أن عمله بات يقتصر على أعمال الترميم، وبعض التصليحات الصغيرة، لكن عمله انتعش قبل عام تقريباً، مع توجه بعض الشباب إلى تفصيل الحرامات والبطانيات كملابس شتوية وبيجامات ومعاطف وسترات قماشية. 

وأوضح  أنه "لم يعد هناك الكثير من الشباب من يلبس ملابس تفصيل بنطال أو قميص من القماش، وذلك لارتفاع أسعارها ولحاجتها للكوي  إذا غسلت"، لافتاً إلى أن لباس الشباب بات إما بيجامات رياضة، أو ملابس مصنوعة من أنواع  من القماش لا يحتاج إلى كي. 

وقال: "إن تفصيل الحرامات والبطانيات كملابس شتوية، يشهد إقبالاَ ملحوظاً من الشباب ولاسيما في المناطق المحررة"، عازياً الإقبال على استخدام هذه الملابس إلى ضعف الإمكانيات المادية، وانتشار الفقر والبطالة بين السكان، بسبب عدم وجود فرص عمل إضافة إلى عدم قدرة الكثير من العائلات على شراء ملابس جديدة من الأسواق لضيق الحال.

وأضاف أن "أسعار هذه الملابس رخيصة مقارنة مع أسعار الملابس المطروحة في الأسواق"، لافتاً إلى أن سعر أرخص بيجامة ولادية من قماش عادي يتجاوز الـ 5 آلاف ليرة سورية في الأسواق، فيما تصل البيجامة الرجالية إلى عشرة آلاف ليرة سورية في أسوأ الأحوال، والسترة أو المعطف إلى ما بين 20 و 25 ألف ليرة سورية، بينما لا تكلف تفصيلاً 25 بالمئة من أسعارها في الأسواق.

ولفت إلى أن "بعض الخياطين والخياطات أصبحوا يعملوا في تفصيل البطانيات أو الحرامات إما للزبائن بشكل مباشر، أو لحسابهم الخاص، وذلك من خلال شراء البطانيات وتفصيلها وطرحها في الأسواق بأسعار رخيصة، حيث يصل سعر البيجاما الرجالية إلى 3500 ليرة سورية والسترة خمسة آلاف، فيما تصل الفروة المصنوعة من قماش البطانيات وهي الدارجة في الريف إلى نحو 6 آلاف ليرة سورية".

وأشار إلى أن "الكثير من الرجال والشباب يقبلون على تفصيل ما يعرف بالفروات، ولكنها من البطانيات"، لافتاً إلى أن هذه الملابس دافئة جداً وتعطي دفئاً أكثر من أية ملابس أخرى يتم شراؤها جاهزة. 

سمير العيسى، 20 عاماً، وهو شاب جامعي، قال: "لم يعد اللباس أو شكله أو نوعه يشغل الشباب في المناطق المحررة هذه الأيام، فالمهم أن يكون اللباس ساتراً ودافئاً، أما الأناقة والمظهر الجميل رغم الحاجة إليهما لم يعودا مطلباً ملحاً أمام البحث عن لقمة العيش والتفكير بكيفية الحصول عليها".


ترك تعليق

التعليق